في الفلسفة اللغوية، نتعلم الحقيقة المجردة بأن معنى الكلمة يتضح بكيفية استخدامها في جملة. ويمكن أن ينطبق الدرس ذاته على الدين، فمعنى اللغة الدينية يتضح بصورة أفضل عند استخدامها. وقد تذكرت ذلك الدرس الأسبوع الماضي، بينما كنت أستمع إلى بعض المسيحيين الإنجيليين يدافعون عن القاضي «روي مور»، المرشح «الجمهوري» لمجلس الشيوخ الأميركي في ولاية ألاباما. وقد وُجّهت تهم إلى «مور» بالاعتداء الجنسي والتحرش بسبع فتيات على الأقل، عندما كان في الثلاثينات من عمره، وكانت أعمارهن آنذاك تتراوح بين 14 و18 عاماً. ومن المؤلم سماع تلك القصص التي ترويها الضحايا، في ضوء ترجيح الأدلة الأخرى ضد «مور»، إذ تبدو قابلة للتصديق بوضوح. وعلى إثر ذلك، تراجعت شعبية «مور» في استطلاعات الرأي الأخيرة، وأحدثها استطلاع «فوكس نيوز»، الذي أظهر خسارته لصالح المرشح «الديمقراطي» دوغ جونز، بهامش 50 في المئة مقابل 41 في المئة. غير أن ما وجدته مقلقاً هو أن الناخبين البيض الذين يصفون أنفسهم بـ«المسيحيين الإنجيليين» يواصلون تأييدهم لـ«مور» بهامش 73 في المئة مقابل 20 في المئة. وبعد أن توجهت الضحايا باتهامات رسمية بالاعتداء والتحرش، خرج المدافعون عن «مور» مستخدمين مجازات دينية تبرر موقفه. وقد كنت في «ألاباما» الأسبوع الماضي، حيث شاهدت عبر التلفزيون فاعلية لـ«مور» في إحدى الكنائس، وأنصتّ إلى مجموعة من القساوسة يدافعون بشغف عن مرشحهم. واللغة والمجازات الدينية التي استخدمها «مور» وأنصاره تثير القلق والحيرة. وفي الفاعلية، التي أطلق عليها اسم «ليحفظ الرب أميركا!»، شبّه «مور» انتخابه بـ«معركة روحية» من أجل روح أميركا. وردد أنصار المرشح «الجمهوري» تصريحه بأنه: «إذا لم نرجع إلى الرب، فإننا لن نتقدم». وعندما تم توجيه السؤال إلى امرأتين كيف تواصلان تأييده، أجابتا بأن «مور كان يمتثل إلى أمر الرب، وقد بعدنا عن طريق الرب، ونحتاج إلى شخص يعيدنا إلى الطريق الصحيح». وفي سلسلة من التغريدات على موقع «تويتر»، أنكر «مور» الاتهامات الموجهة إليه، قائلاً: «إن قوى الشر ستكذب وتخدع وتسرق، بل وتتسبب في الأذى المادي، وإذا اعتقدوا أنهم سيسدون أفواه المحافظين المسيحيين مثلي ومثلكم، فيجب علينا مقاومة تلك القوى الشريرة، التي تشنّ حرباً ضروساً على قيمنا المحافظة». ولطالما كان استخدام اللغة الدينية والتمسّح بـ«القيم المسيحية» أسلوب «مور». وبصفته قاضياً، كانت لديه «الوصايا العشر» معلقة على جدار محكمته. وبعد ذلك، اشتهر بوضع لوحة من الجرانيت تزن 5000 رطل نُقشت عليها الوصايا خارج قاعة المحكمة، وأسفر رفضه لأمر بإزالتها عن تجريده من منصبه، والإطاحة به من منصة القضاء. وأثناء حملته الانتخابية التمهيدية، حصل «مور» على تأييد عدد من القساوسة الذين أصدروا بياناً قالوا فيه: «إن الغش والخوف من العباد وضياع الأخلاق هي استهانة بمعتقداتنا ومنقذنا، ولن نتسامح معها أكثر من ذلك.. انضموا إلينا في الانتخابات لتضعوا أصواتكم لروي مور». وقد جاء «ستيف بانون»، المستشار السابق في البيت الأبيض، إلى ألاباما لكي يعمل لصالح «مور»، قائلاً: «إن القاضي مور يعلم أن الوصايا العشر هي أساس الغرب المسيحي اليهودي». وردد مسؤول آخر في الإدارة الأميركية ذلك قائلاً: «إن المرشح هو شخص يعكس القيم المسيحية اليهودية التي تكتسي أهمية كبيرة للنخبة في دولتنا». والدروس المستفادة بشأن اللغة علمتني ألا أقف عند ظاهر التصريحات، وأن أتعمق في معناها وأبحث عما وراء تلك الكلمات، لفهم ما يقوله «مور» وأنصاره حقيقة، والقضايا التي يؤمنون بها عندما يتحدثون عن «القيم المسيحية». وبنظرة قريبة، ترتبط تصريحات «مور» في معظم الأحيان بـ«معاداة الإجهاض» و«مناهضة تعليم الثقافة الجنسية في المدارس» وتأييد «القوانين الرقابية». وتلك المخاوف تعكس عدم ارتياح عام لدى الأميركيين من الفئة المتوسطة في منتصف العمر. ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد، فالأجندة السياسية لـ«مور» تشمل «جرعات من الشوفينية المفرطة»، إذ يزعم المرشح «الجمهوري» أن أميركا «دولة مسيحية»، لا تجرؤ على الحياد عن طريق الرب. ويلقي باللوم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر على «عزوفنا عن منهج الرب». وللإسلاموفوبيا نصيب أيضاً، فـ«مور» أوضح أن «أن الشريعة الإسلامية لا تتفق مع القوانين الأميركية» بل وزعم أن بعض الولايات الأميركية تطبق الشريعة الإسلامية! ولم ينس «معاداة المهاجرين»، بدعوته للجيش الأميركي لكي يمنعهم من عبور الحدود.