استغل الرئيس الصينى «شي جين بينج» المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الحاكم في بلاده، ليس لتكريس نفسه كزعيم عظيم فحسب، وإنما أيضاً لترسيخ وضع مسألة حماية البيئة، في مسارها التنموي. وقرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، الذي نشر في نهاية المؤتمر، تضمن التأكيد على رغبة الصين في «تعزيز التنمية الخضراء وحل المشكلات البيئية البارزة»، و«العمل على تطوير نموذج جديد للتحديث يعيش فيه البشر في تناغم مع الطبيعة». قد يبدو هذا الكلام مجرد حديث مثالي، ولكن الحقيقة التي يتعين علينا الاعتراف بها، هي أنه في غيبة القيادة الأميركية، فإن الأمر المرجح هو أن تتمكن بكين من الانفراد برسم الأجندة العالمية في هذا المجال. وعلى مدار العام، ظل «شي» يكسب المزيد من النقاط في صفوف المجتمع الدولي، من خلال خطبه، وحرصه على الظهور في الوقت والمكان المناسبين، في فعاليات مختلفة. وبصفته المدافع الأعلى صوتاً عن اتفاقية باريس المناخية، تمكن «شي» من الحصول على المزيد من المؤيدين، بعد أن هاجم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. فبعد أسبوع واحد فقط من هذا الانسحاب، استضافت بكين منتدى دولياً رفيع المستوى، لوزراء الطاقة، أكد مسؤولو الطاقة الصينيون خلاله، أن أهداف اتفاقية باريس المنوط بالصين تحقيقها، سيتم الوفاء بها في الموعد المحدد، بل وربما قبله. ولم يقتصر الأمر فقط على قدرة «شي» على تعزيز وضعه كداعم للتعاون العالمي في القضايا البيئية، وإنما تمكن كذلك من موْضعة نفسه كمركز ثقل مضاد لنمط ترامب في القيادة، مما مكن الصين، التي كانت تعتبر أكبر مستهلك للطاقة، وأكبر دولة ملوثة للمناخ في العالم، من إعادة تصنيف نفسها، كمدافع عالمي عن المبادرات الخضراء. وفي الوقت الذي لجأت فيه الولايات المتحدة لتخفيف القيود المفروضة على الطاقة المولدة باستخدام الفحم راهنت الصين على فوائد الطاقة الشمسية في المدى الطويل، وعملت على مضاعفة عدد الألواح الشمسية في عام 2016، ليصبح حجم الطاقة الشمسية الشاملة لديها في الوقت الراهن، ضعف حجم مثيلتها في الولايات المتحدة. ومنذ عام 2014، تمكنت الصين من تقليص استخدام الفحم، وتخفيض بصمة الكربون بنسبة كبيرة، وكان عام 2017 هو العام الرابع على التوالي الذي تتمكن فيه الصين من تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو. ودور الصين الجديد، لا يقتصر فقط على تحقيق إنجازات في مجال الطاقة، وإنما يتمثل أيضا في أن رئيسها «شي» بات لا يتردد في إنفاق الأموال الطائلة من أجل جعل «الصين الخضراء» حقيقة طويلة الأمد (يشار في هذا الصدد إلى أن الوكالة الوطنية للطاقة في الصينNEA تعهدت باستثمار 2.5 تريليون يوان، أي ما يعادل 361 مليار دولار، في توليد الطاقة النظيفة). ومبادرة إدارة ترامب بالإدانة العلنية لقطاع الطاقة المتجددة، وتعهدها بدعم صناعة الفحم، كاشفاً بوضوح عن الفجوة الهائلة بين مواقف واشنطن وبكين في مجال البيئة. ومع ذلك، وعلى رغم الشجاعة التي أبدتها في وجه تصرفات ترامب، فإن قرار القيادة الصينية الخاص بملء الفراغ في القيادة البيئية للعالم، وضعها في موقف حرج. فالصين التي حظيت بإشادة مبكرة باعتبارها حاملة راية الإجراءات المتعلقة بالمحافظة على المناخ العالمي، لديها في واقع الأمر قطاع طاقة يعاني من شروخات كبيرة، ويمثل تهديداً داخلياً خطيراً لخططها الرامية لتخفيض الانبعاثات الكربونية، حيث تسيطر عليه الصناعات الثقيلة القوية، التي تعتمد على طاقة الفحم -وخصوصاً صناعات الصلب والألمونيوم- التي تواصل ضغطها من أجل إبطاء وتيرة الإجراءات الصينية المناخية الطموحة. ونظراً لأن المستهلكين في كافة أنحاء العالم، أصبحوا الآن أكثر وعياً من ذي قبل بأهمية العامل المناخي، فقد بات من الضروري، بالنسبة للصين، إذا كانت تريد حقاً أن تمسك بزمام الاقتصاد العالمي، أن تقلص من الأعباء البيئية لمنتجاتها، بدءاً من مرحلة الإنتاج. وبدون ذلك فإن المنتجين الصينيين، سيجدون أنفسهم غير قادرين على المنافسة مع صناعات البلدان الأخرى الأقل تلوثاً، في مجال الصناعات الثقيلة على وجه الخصوص. وإخفاق الشركات الصينية في إيجاد حل لهذه المشكلة، يعني أن الموضوع الحالي المتعلق بالإفراط في استخدام الطاقة في الصين، سيستمر في إثارة غضب الغرب، وغضب الشركات التي تضررت منه أشد الضرر. ومما يشار إليه في هذا السياق، أن إدارة ترامب قد لجأت مؤخراً لتفعيل الفقرة الواردة في الجزء رقم 262 من قانون التوسع التجاري الصادر عام 1962 -والتي قلما يتم اللجوء إليها- لأن هذه الفقرة تحديداً هي التي ستمكنها من فرض حظر عالمي على واردات الصلب والألمونيوم «لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي». ولكن الاستمرار في اتباع هذه السياسة سيؤدي للمزيد من التقليص في قدرة الولايات المتحدة على الحصول على الواردات المهمة -سواء كانت من الصين، أو من روسيا، أو من أي مكان آخر، كما ستوجه ضربة قاصمة لمصداقية واشنطن، وقدرتها على القيادة العالمية. وهنا تحديداً تقع المشكلة الأساسية: فعمل واشنطن من خلال أضيق تعريف في التاريخ لـ«المصالح الوطنية» سيجعل العالم يفقد الدولة الوحيدة التي نجحت في دفع بكين للاهتمام بموضوع التغير المناخي. وبدون كبح الولايات المتحدة جماح الصين يمكن أن تستفيد من وضعها الجديد المكتسب، في التراجع عن التعهدات التي قطعتها على نفسها في هذا الموضوع. كريس تشانج: مستشار استدامة مقره نيويورك ومراقب للمعايير البيئية في الصين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»