في سلوك سياسي وإنساني هادئ ورصين، تدخل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في مسألة العقوبات الاقتصادية والمالية التي كانت مفروضة على السودان الشقيق من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وقام بمساعيه الحميدة والحثيثة لدى الرئيس دونالد ترامب، التي آتت أكلها برفع تلك العقوبات القاسية التي طال أمدها. فلماذا وقف محمد بن زايد، حفظه الله ورعاه، تلك الوقفة النبيلة التي كانت لها نتائج طيبة على السودان وأهله؟ وربما أن من لا يعرف تاريخ علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة مع السودان قد يستغرب من هذه الوقفة ويسأل نفسه: لماذا هذا التدخل وبهذه القوة، وما هي مصلحة دولة الإمارات في ذلك؟ فعلاقات الدول ببعضها بعضاً تقاس بحجم المصالح المتبادلة بينها وليس من خلال أي شيء آخر. وهنا دعوني أسرد لكم القصة من جذورها، وأفيدكم بأن ما يقوم به محمد بن زايد تجاه السودان حالياً، إن هو سوى إكمال لمنهج اتبعه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وذلك منذ ما قبل قيام الدولة الاتحادية، ومنذ أن تولى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966. لكن ذلك النهج ترسخ ونما بعد قيام الاتحاد، حيث قام رحمه الله بزيارة رسمية إلى السودان في فبراير 1972، وجاب في عدد من ربوعه ومد له يد العون عن طريق تقديم مساعدات جمة له تخص قضايا التنمية، خاصة بما يتعلق بعدد من مرافق البنية التحتية التي على رأسها شق الجزء الأصعب من طريق بورتسودان - الخرطوم الذي شيد رابطاً بين قمم سلسلة من الجبال الشاهقة وعلى أحدث المواصفات التي كانت موجودة آنذاك. في تلك الزيارة الميمونة وجه الشيخ زايد، طيب الله، ثراه كلمة إلى شعب السودان قال فيها بـ(إنه والوفد المرافق له تركوا أهلهم في الخليج العربي ليلتقوا بأهلهم في السودان الحبيب، وودعوا إخوانهم هناك ليستقبلهم إخوانهم هنا، وبأنهم يشعرون شعوراً صادقاً بأنهم في بلدهم وبين أهلهم ويؤمنون بأن مثل هذه اللقاءات ضرورية بين الأشقاء الذين تجمعهم أمة واحدة توافرت لها كل مقومات الوحدة الشاملة، خاصة علاقة أهل الإمارات بالسودان الشقيق، فهي علاقة قوية وقديمة قدم التاريخ). هكذا بدأت القصة، وعندما زار فخامة الرئيس السوداني عمر حسن البشير الدولة في مارس 2017 قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد باستقباله بحفاوة بالغة، وقلده وسام زايد من الطبقة الأولى كعاكس حقيقي لكم هو عزيز وغالي ومحبوب السودان برئيسه وشعبه وأرضه وكل ما فيه لدى شيخنا العزيز وأبناء شعبه الأوفياء. ويضاف إلى ذلك أنه خلال زيارة الرئيس البشير للدولة قال الشيخ محمد بن زايد بوضوح: «إن دولة الإمارات تقدر وتثمن ما بادر به الرئيس البشير طواعية ومن دون طلب لكي يدعم التحالف العربي في اليمن بقوات مقاتلة من جيش السودان الباسل». ومثل هذا العرفان والامتنان الصريح لا يأتي سوى من شخصية بحجم الشيخ محمد بن زايد ذي المناقب الفذة والفكر النير والمحب للعرب جميعاً. فالعلاقات راسخة ومتينة وتاريخية، ولا تحتاج إلى ذكر تفاصيلها بقدر ما تحتاج إليه من الدفع بها إلى الأمام، ومحمد بن زايد، حفظه الله، هو القائد الفذ على هذا الصعيد، لأنه مدرك أن الإمارات والسودان هما ذخر لبعضهما بعضاً، وكل منهما لديه الكثير لكي يقدمه للآخر على صعيد مصالح الدول إن كنا نتحدث من هذا المنطلق. د. عبد الله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي