كزعيم لزيمبابوي، حكم روبرت موجابي فترة أطول من ستالين في الاتحاد السوفييتي وماو في الصين. وإذا كان حكمه قد شارف على نهايته، وهو ما يبدو مرجحاً نظراً لعجزه على ما يبدو عن الخروج من الإقامة الجبرية بعدما أمسك الجيش بزمام الحكم، فإنه من المفيد تأمل الأخطاء التي ارتكبها لإنهاء هذا المسار السياسي اللافت. دانييل تريسمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس، حاجج في ورقة له مؤخراً بأن معظم الحكام المستبدين يسقطون لأسباب تؤكد أنهم بشر: أسباب من قبيل الغطرسة، والميل إلى ركوب المخاطر غير الضرورية، ونزوات تبني الليبرالية التي تؤدي إلى منزلقات، واختيار الأشخاص الخطأ للخلافة، والعنف الذي يأتي بنتائج عكسية. وموجابي، البالغ 93 عاماً، ليس استثناء، فقد انتقى الشخصَ الخطأ لخلافته واعتمد اعتماداً مفرطاً على جيشه. وعندما حاول تغيير خلفه، الشخص الذي اختاره، قرّر الجنرالاتُ أن الكيل قد طفح. خلال معظم فترة حكم موجابي التي دامت 37 عاماً، كان إيمرسون منانغاغوا، وهو على غرار موجابي، ممن خاضوا حرب استقلال زيمبابوي عن بريطانيا، من أقرب حلفاء الدكتاتور ومساعديه. وكوزير للأمن، أدار الوحدات الخاصة التي قمعت المقاومة القبلية لحكم حزب موجابي. هذه الوحدات كانت ترغم القرويين على الرقص على قبور أقاربهم الحديثة هاتفين شعارات مؤيدة لموجابي، كما تقول الكاتبة جنوب الأفريقية «هايدي هولاند» في كتابها «عشاء مع موجابي»، الذي تتحدث فيه عن تحوله من رمز للتحرر الوطني إلى حاكم مستبد. ولاحقاً، عندما تدخلت زيمبابوي إلى جانب الحكومة في حرب الكونغو الثانية في التسعينيات، أنشأ منانغاغوا علاقات قوية مع الجيش، ما ساعده على اكتساب امتيازات استغلال المناجم مقابل دعم الرئيس لوران ديزيريه كابيلا. ثم ازدادت طموحات منانغاغوا السياسية، ولكن في 2005 عاقبه موجابي عبر تجريده من منصبه القيادي في حزب «زانو- بي إف» الحاكم عقب محاولته الحصول على منصب نائب الرئيس، غير أنه صمد أمام خفض رتبته وانتهى به الأمر في النهاية إلى تقلد منصب نائب الرئيس، رغم كل شيء، عام 2014. وكان من الواضح أنه رغم افتقاره للمهارات السياسية، إذ خسر الانتخابات مرتين في الدائرة التي ينتمي إليها، فإن موجابي كان يرى فيه خلفاً ممكناً. وبينما أظهر منانغاغوا قوته وأنشأ علاقات وراكم امتيازات في أجزاء مختلفة من المؤسسة الزيمبابوية، كان اعتماد موجابي على الجيش يزداد أكثر فأكثر. وفي هذا الصدد، كتب الباحث الزيمبابوي تشارلز مانغونغيرا في ورقة له في 2014: «بينما أخذت قبضة الرئيس السلطوية على الدولة ترتخي تدريجياً أمام ازدياد المعارضة، أصبح الجيش يتدخل في السياسة بشكل متزايد، إذ اكتسبت النخب العسكرية حق المشاركة، وساهمت في وقف تحول البلاد إلى الديمقراطية عبر عسكرة مؤسسات الدولة الأساسية، واستخدام العنف باسم الدولة ضد معارضي موجابي، وبالمقابل كوفئت تلك النخب العسكرية بعقود حكومية مربحة، وبالاستفادة من أجود الأراضي، وبامتيازات استغلال المناجم، وغيرها من الامتيازات التي قدمها لها نظام موجابي». بيد أن «قوات الدفاع الزيمبابوية» ليست من الجيوش التي تتدخل، في اللحظات الحرجة، لضمان استمرار الوضع العادي والتشبث بتقاليد الحكامة، مثلما فعل الجيش التركي أكثر من مرة خلال القرن العشرين، فالجيش الزيمبابوي مرتبط بشكل وثيق جداً بـ«حزب زانو- بي إف»، وليس بموجابي بالضرورة. وبينما أصبح الدكتاتور المتقدم في السن ضعيفاً، وكثيراً ما يغالبه النعاس في تجمعات ومناسبات رسمية، أصبح كونستانتين شيوينغا، قائد الجيش الزيمبابوي، معروفاً بأنه حليف منانغاغوا. وهكذا، فعندما طرد موجابي منانغاغوا في وقت سابق من هذا الشهر، متهماً إياه بعدم الوفاء، وعندما أصبح واضحاً أن الدكتاتور يرغب في تعيين زوجته غريس في منصب نائبة الرئيس وتسليمها السلطة، أقدم شيوينغا على خطوته واعداً بوقف «أولئك الذين يريدون اختطاف الثورة»، ثم وقعت سيطرة الجيش على الحكم في اليوم التالي، أي الثلاثاء الماضي. بيد أنه ليس ثمة ما يدعو للابتهاج في ما حدث. فغريس موجابي، وبالنظر إلى مزاجها العنيف وشغفها بالبذخ والترف، لم تكن لتصبح رئيسة ممتازة، ومنانغاغوا (75 عاماً) ليس أفضل منها إذ يصفه مراقبون بأنه رجل قاس وانتقامي، فمرشح المعارضة الذي هزمه في دائرة «كيو كوي سانترال»، بعد حملة انتخابية محتدمة في عام 2000، نجا من الموت بأعجوبة عندما فشل أفراد من شبيبة «زانو- بي إف» كانوا قد اختطفوه وصبوا عليه الوقود، في إشعال عود الثقاب.. تقول هولاند. إن زيمبابوي التي شهدت حلقات عنف صادم واضطرابات اقتصادية تحت حكم موجابي، لا يمكنها أن تتوقع الكثير من التدخل العسكري. ذلك أن هذا النوع من التحول، والذي ينتج عن دسائس القصر بدلاً من المقاومة الشعبية، يعني أن الأشياء ستظل على حالها أو تزداد سوءاً بالنسبة للزيمبابويين. ذلك أن الدكتاتور الجديد سيسعى ليكون أكثر حذراً من الانقلابات من سلفه، وهو ما قد يعني مزيداً من القمع العنيف. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»