هل يُمْكِن للسياسة أن تَسْتغْني عن الشعر في زماننا هذا؟ راودني هذا السؤال، وأنا أتابع الأخبار، مُحَاولاً فهم ما يحدث في منطقتنا العربية، والإجابة عندي أن حضور الشعر في حياتنا ضروري حتى لو عبّر عن مواقف نختلف معها، ليس فقط لأنه واصف لأحوالنا الراهنة، ولكنه لأنه سيكون شاهداً على زماننا هذا للأجيال القادمة، وحافراً لأخدود في عمر الزمن، ومناسبة الحديث عن الشعر لجهة الاستنجاد به هنا، يأتي من التطورات على الساحات العربية، ومنها استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في الرياض، وحديثة المتلفز بعد ذلك، والمتضمن دعوة صريحة وعلانية للفرقاء السياسيين في لبنان ـ تبدو في ظاهرها بسيطة وممكنة ـ وهي التزام سياسة النأي بالنفس، وعدم الدخول في محاور، خاصة تلك المعادية للأمة العربية. وبعيداً عن تحليل خلفيّات استقالته من طرف المحللين وردود الأفعال عنها دولياً، أو الشروط التي تضمنتها تصريحاته ــ تلميحاً وتصريحاً ـ بالعودة القريبة لبلاده، أو حتى النظر في زمانها ومكانها، فإن استقالته تلك تعيد تذكيرنا بتفاعل الدولة الوطنية مع قضايا الأمة، صحيح نراها ـ على قلتها ــ في بعض الأعمال الأدبية، وفي بعض المواقف السياسية، لكنها اليوم تظهر بشكل يرفض تحكم فريق واحد في الدولة، وعدم الاعتراف بأي قوة عسكرية، حزبية، محلية كانت أم تابعة لقوى ودول خارجية تفرض وجودها أو حتى تتحرك خارج سلطة المؤسسة العسكرية التي تمثل الشرعية، إضافة إلى ذلك الكشف عن القوى الخارجية التي تعمل من أجل مزيد من التوتر في المنطقة عبر لبنان. هناك إذاً، تنشيط للذاكرة الجماعية لهذه الأمة في نظرتها لامتداد الأرض العربية، وهي تُحِيلُنا إلى أن ما يحدث في سوريا اليوم، وهو جزء ممّا يحدث في اليمن، ولما سيحدث قريباً في لبنان، ومع أن التذكير بالماضي لا يغنينا عن الحاضر، بل أحياناً يلهينا عنه، فإن موقف الحريري اليوم يَشدُّنا إلى حديث الجغرافيا في التاريخ العربي، ومن ذلك أن جبل الدروز (يُسمّى أيضاً جبل حوران، وجبل العرب)، يقع في محافظة السويداء، جنوب سوريا، سمّاه العرب في بداية العهد الإسلامي والعهد الأموي بجبل الريان، ويعني الأرض المرتوية والمشبعة بالخصب، حسب ما ورد في كثير من المصادر والمراجع التاريخية، ويمكن للقارئ أن يطلَّع على ذلك تفصيلاً في مختلف المواقع الإلكترونية المهتمة بالشعر العربي. تجدر الإشارة هنا، إلى أن الشعر حفظ لنا مواقف العرب السياسية والثقافية وحتى الجغرافية، ومنها تسمية جبل الدروز بجبل الريان، كما ذكرنا سابقاً، وهو ما تغنّى الشاعر الأموي جرير في قصيدته، التي عنونها البعض بـ«بان الخليط ولو طوّعت ما بانا»، حيث يقول في بيتين منها: يا حَبَّذا جَبَلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا وَحَبَّذا نَفَحاتٌ مِن يَمانِيَةٍ تَأتيكَ مِن قِبَلِ الرَيّانِ أَحيانا من ذلك الزّمان البعيد.. من أيام العصر المزدهر، والشعوبية تحاول أن تقضي على العرب في ديارهم، واليوم تعود من جديد عبر سموم «الحوثيين» في اليمن، يوظف فيها أعداؤنا كل الوسائل، بما فيها أبناء أمتنا، لذلك ستظل مواقف العرب ثابتةً، لكي يبقى جبال الريان وغيره من الجبال العربية الأخرى، خاصة جبال اليمن، في مأمن من نعيق غربان الداخل والخارج، وبعيدة عن تغيير أسمائها أو سكانها.