لعل خط الدفاع الأخير في كبح سلطة الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية هو الحرس القديم في الحزب الجمهوري، غير أن أولئك الحراس ضعُفوا أو أُضعفوا الآن ولم يعودوا مؤثِّرين. كما أن من شأن فوز كبير للجمهوريين في انتخابات 2018 النصفية شل لجنتين مهمتين في الكونجرس، ما سينقلهما من عدم الفعالية المؤلمة إلى عدم الأهمية المؤلمة. وإذا كان من المفترض أن تقوم لجنة العلاقات الخارجية ولجنة القوات المسلحة في الكونجرس بمراقبة السياسة الخارجية وجهاز الأمن الوطني، فإن ترامب قد أخضعهما. فقد قلّل من أهمية رئيس لجنة العلاقات الخارجية المعروف بانتقاداته وخطابه الصريح السيناتور «بوب كوركر» من ولاية تينيسي، الذي أُضعف سياسياً عندما تخلى عن محاولة إعادة الانتخاب في 2018. وفي اللجنة نفسها هناك عضو آخر هو السيناتور جيف فلايك، عن ولاية أريزونا، المعروف هو أيضاً بانتقاده لترامب، لتبقى بذلك مجموعة صغيرة من الجمهوريين المؤثرين والديمقراطيين الذين يشكّلون أقلية هي الوحيدة التي ستحاول الرد على تغريدات ترامب على تويتر، وستكافح من أجل أجندة خارجية جيدة. وعلى رأس لجنة القوات المسلحة يوجد السيناتور جون ماكين من أريزونا. والواقع أن ماكين عندما يكون معافى وبصحة جيدة، يكون زعيماً مهاب الجانب، في معارك واشنطن السياسية، ولكنه يتعرض الآن للازدراء والإذلال من قبل ترامب، الذي قال ذات مرة إن أسير الحرب السابق «ليس بطلاً». ثم إن ماكين الذي كان قويّاً في الماضي يعاني من مرض عضال قد يبعده عن الساحة السياسية على نحو أسرع مما يستحق. ولولا الدور المهم جداً الذي يلعبه «كوركر» وماكين حالياً في كبح غرائز ترامب وميوله، فإن هذا الأخير قد مُنح سلطة كاملة على الشؤون الخارجية. وبالفعل، فليس ثمة أي كوابح قضائية تقريباً على سياسة الرؤساء الخارجية، والقيود داخل الإدارة الحالية هي في الحدود الدنيا. وفضلاً عن ذلك، فإن وزير الخارجية ريكس تيلرسون مهمَّش تقريباً ووزارتُه تعيش حالياً فترة إعادة تنظيم تتسم بكثير من الاضطراب، وتجعل الدبلوماسيين أدوات ثانوية وتابعة في الدبلوماسية الأميركية، وليسوا هم عمادها. أما وزير الدفاع جيم ماتيس، فقد مُنح سلطة ومسؤولية كاملة في ما يخص المسائل العسكرية، ولكن قرار الانتشار عسكرياً يظل في يد القائد الأعلى للقوات المسلحة. وهو ما يترك الأدوات التشريعية متاحة للجان الكونجرس -سلطة الاستدعاء، والتثبيت، والميزانية. غير أن تراجعاً للجمهوريين في انتخابات 2018 من شأنه أن يُضعف مقاومة حزب الأغلبية ويقلِّص عدد السيناتورات المهمين القادرين على منع الإدارة من انتزاع كل السلطات في ما يتعلق بتقرير مسألتي الحرب والسلام. والحق أن مراقبة الكونجرس للسلطة الرئاسية في الشؤون الخارجية والأمن ضعيفٌ أصلًا. وإذا كان الدستور يقول إن الرئيس يستطيع «إعلان الحرب»، فإن الواقع يشير إلى أن كل انخراط عسكري أميركي منذ الحرب العالمية الثانية كان حرباً غير معلنة. فقد كان عملًا بوليسياً، ورداً، وعملًا عسكرياً، وتدخلاً عسكرياً طويلًا، ولكنه لم يكن أبداً حرباً معلنة. وربما أي قتال تنخرط فيه الإدارة الحالية سيجد تبريره القانوني في «الترخيص لاستخدام القوة العسكرية» لعام 2001، الذي بات في حاجة ملحة لتعديل وإصلاح. غير أنه إذا كان الرؤساء يلتفون على الكونجرس في ما يتعلق بصلاحيات الحرب، فماذا عن التشريع؟ لقد حاول الكونجرس مؤخراً تقييد يدي الرئيس وإرغامه على زيادة العقوبات المفروضة على النظام الإيراني ومعاقبته على خطاياه الكثيرة. وقد وقع ترامب مشروع القانون بالفعل، ولكنه أَضعف المناورة التشريعية عندما لم يفعل شيئاً. إن قلة قليلة من الجمهوريين اليوم لديهم الشجاعة أو القدرة على مجادلة أو انتقاد أو مقاومة سياسة ترامب الخارجية. فمجلس النواب لديه لجنة للشؤون الخارجية يرأسها إد رويس، وهو جمهوري عن ولاية كاليفورنيا، صوَّت مع دونالد ترامب بنسبة 96.1 في المئة من المرات حتى الآن. وبذلك، يمكن القول إن رويس حليف موثوق وداعم مضمون لترامب. وترامب يمكنه الحصول على سلطة أكبر قبل انتخابات العام المقبل من خلال نتيجة إيجابية بخصوص كوريا الشمالية، سواء كان متفاوضاً بشأنها أم لا. ذلك أن من شأن نجاحه في كوريا الشمالية بأن يثبت للمشرِّعين والشعب الأميركي أن خطاب ترامب المتشدد وأسلوبه الصدامي ناجحان. وهذا من ِشأنه أن يعزِّز ويقوِّي مفهوم الامتياز التنفيذي في الشؤون الخارجية الذي أثبت الزمن صحته. ولكن المفارقة أن الفشل في كوريا الشمالية يمكن أن يخدم أيضاً مصلحة ترامب سياسياً على اعتبار أن أميركا، حين تكون مهدَّدة أو عرضة لهجوم، تعمل على تعبئة مواطنيها وتجعلهم يلتفون حول رئيسهم. ماركوس كونالاكيس: زميل بجامعة أوروبا المركزية في بودابيست وزميل زائر لمؤسسة هوفر في كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»