بعد لقاء قصير بين الرئيسين الأميركي والروسي، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، صدر بيان مشترك أكد التزام الولايات المتحدة وروسيا بسيادة سوريا ووحدة أراضيها بالإضافة إلى مواصلة الجهود من أجل هزيمة «داعش». وذكر البيان أن الرئيسين وافقا على أن التسوية النهائية للنزاع في سوريا يجب أن تكون في إطار عملية جنيف وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وأشار إلى التصريح الذي صدر عن الرئيس السوري وأكد فيه الالتزام بعملية جنيف والإصلاح الدستوري والانتخابات وفقاً لقرارات مجلس الأمن. وأكد الرئيسان الروسي والأميركي أن فهمهما لهذا التصريح يفترض التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن المشار إليه بما في ذلك الإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت مراقبة الأمم المتحدة، مع مراعاة أعلى المقاييس الدولية في مجال الشفافية والمساءلة، ومنح جميع السوريين، بمن فيهم من في الشتات، الحق في المشاركة فيها. ودعا الرئيسان الأطراف السورية كافة إلى المشاركة الفعالة في عملية جنيف السياسية ودعم الجهود الهادفة لإنجاحها. وقد سارع البعض إلى الترحيب بهذا التفاهم الروسي- الأميركي الجديد باعتباره مؤشراً على اقتراب تسوية الصراع السوري، فها هما الدولتان الأقوى في معادلة الصراع تتفقان على المبادئ الأساسية المطلوبة لتسوية سياسية مقبولة بدءاً بالاتفاق على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، مروراً بالالتزام بقرارات مجلس الأمن، وانتهاءً بالتأكيد على إصلاح سياسي حقيقي بضمانات دولية. ولا شك أن صدور البيان السابق يمثل تطوراً إيجابياً في مسار الصراع السوري، غير أن المبالغة في التفاؤل بهذا التطور لا تستند إلى أساس قوي من التحليل العلمي أو الخبرة التاريخية. صحيح أن روسيا والولايات المتحدة هما الدولتان الأقوى في معادلة الصراع السوري ولكن الأدبيات النظرية والخبرة العملية في العلاقات الدولية تشير إلى أنه لا يكفي أن يتم الاتفاق على المستوى «العالمي» لكي ينسحب هذا الاتفاق على المستوى «الإقليمي»، ذلك أن معادلة الصراع السوري تتضمن قوى إقليمية مهمة ما بين حليف للنظام السوري كإيران وعدو له كإسرائيل ومعنيٍّ بأمنه القومي بحيث يكون هذا الأمن هو معيار التعامل مع هذا النظام كتركيا التي يُعتبر منع إقامة كيان كردي على حدودها مع سوريا هو شاغلها الأول. ولكلٍّ من هذه القوى الإقليمية تأثيره العسكري المباشر، أو غير المباشر، في ساحة الصراع السوري. وعندما تبدأ الخطوات الجادة للتسوية فإن كلاً من هذه القوى الإقليمية ستكون له مطالبه التي تحقق ما يعتبره مصلحة وطنية حقيقية له، فلا يمكن لإيران، على سبيل المثال، أن تقبل تسوية تُخل بوضعها الراهن في سوريا الذي يُعتبر حلقة مهمة في الطريق إلى البحر المتوسط عبر العراق ثم سوريا بما يشكل مقوماً مهماً من مقومات تحقيق مشروع الهيمنة الإيراني في المنطقة، ناهيك عن استحالة القبول بوضع يهدد «حزب الله» اللبناني التابع لها. ولا يمكن لتركيا أن تقبل بتسوية تهدد أمنها القومي، وبالتالي فستكون عينها بالأساس على الترتيبات الداخلية للمعادلة السورية كي تضمن ألا تقوم قائمة لكيان كردي يمكن أن ينشأ على حدودها ويمثل تهديداً سياسياً لوحدتها الداخلية. أما إسرائيل فهي معنية بطبيعة الحال بألا يكون هناك أي وجود لإيران أو «حزب الله» حليفها في سوريا، أو على أدنى الفروض ألا يكون هذا الوجود قريباً منها مع العلم أنها تبالغ كعادتها في هذا الصدد فتشترط مثلاً منطقة عازلة على حدودها مع سوريا بعمق أربعين كيلومتراً. وستتصارع الإرادات على هذه المصالح شديدة التباين بما يعقد كثيراً خطوات أي تسوية مقبلة حتى ولو اتفقت إرادة القوتين الأكبر في معادلة الصراع. ويضاف إلى كل ما سبق تعقيدات الوضع الداخلي السوري نفسه التي تنبع من القوى السياسية والعسكرية المعارضة للنظام، إذ لا يقتصر الأمر على صراعها مع النظام وإنما هي متصارعة أيضاً فيما بينها، مع ما يفرضه هذا من صعوبات في التوصل إلى صيغة سياسية مقبولة من الجميع، بل إن أحداً لا يضمن استمرار التفاهم الروسي- الأميركي نفسه، وبالذات على ضوء سيولة سياسة الرئيس الأميركي، ووضعه الداخلي، ولا يُقصد بهذا التحليل أن تسوية الصراع السوري مستحيلة، وإنما أنها ليست بالسهولة التي يتصورها البعض.