في بلدة ماونتين هوم، الواقعة وسط سلسلة جبال أوزارك في ولاية أركنسو، لن يجد المرء هنا الكثير من التأييد للقوانين المقترحة بشأن السيطرة على الأسلحة وسط السكان الذين يستمتعون حالياً بموسم صيد الغزلان. وعدم تأييد فرض قوانين للتحكم في امتلاك الأسلحة شائع هنا حتى بعد مذبحة الكنيسة في تكساس، وفي أعقاب حمام الدماء في لاس فيجاس، وبعد فترة ليست بالطويلة على هجوم ضد أعضاء في الكونجرس في فيرجينيا، ورغم أن ذكريات مذبحة أورلاندو وغيرها ما زالت طازجة. والحجة التي يسوقها السكان هنا هي أنه يجب ألا يدفعوا ثمن انتهاكات الآخرين. ولا يقبل ملايين الأشخاص المدركين لأهمية السلامة والملتزمين بالقانون من ملاك السلاح أن تصبح حقوقهم في امتلاك السلاح ضحية لعمليات القتل الجماعية. وهم يعتبرون أنفسهم دليلاً حياً لا ضرر فيه على أن السلاح ليس المشكلة بل الشخص الذي يمسك بالسلاح. وقد أعلن الرئيس دونالد ترامب بالنيابة عنهم بعد مذبحة تكساس: «هذه ليست مسألة أسلحة. هذه مشكلة صحة نفسية في أعلى مستوى». وخذوا مثال القيادة تحت تأثير الكحول التي تقتل نحو 10 آلاف أميركي سنوياً. هل المشكلة في السائق أم في السيارة؟ الإجابة واضحة لدى أشخاص في مناطق مثل ماونتين هوم بمثل وضوح الحاجة إلى قوانين للتحكم في الأسلحة لدى كتاب المقالات في الصحافة الأميركية. والإجابة واضحة لسكان ماونتين هوم لدرجة أن كثيرين منهم مقتنعون بأن المدافعين عن التحكم في الأسلحة لا بد أن لهم قائمة أولويات ما أوسع وأكثر خبثاً. لكن الشكوك متبادلة بين الجانبين. ورد الفعل التلقائي بإلقاء اللائمة على الصحة النفسية يعطي انطباعاً بأنه مراوغة أكثر منه تشخيصاً. وترامب وأنصاره سيحظون بقدر أكبر من المصداقية إذا قدموا خطة عمل تجاه «مشكلة في أعلى مستوى». وبدلاً من هذا تتقاعس الإدارة عن التحرك في هذا المجال. والجدير بالذكر أن تقرير منظمة «أميركا للصحة النفسية» السنوي لعام 2017 أشار إلى أن أكثر من نصف الأميركيين الذين يعانون من مرض نفسي لا يتلقون علاجاً. وهذا يرجع في جانب منه إلى العجز واسع النطاق في المتخصصين في الصحة النفسية؛ لأنهم من بين أقل المتخصصين أجراً في قطاع الرعاية الصحية. والمشكلة أعمق. فبينما يؤكد البعض أن الغالبية العظمى من المرضى النفسيين ليسوا عنيفين، لكن الطبيعة المعقدة للمرض النفسي تشير إلى أن كثيرين من أكثر الأفراد مرضاً هم من بين أقل الناس سعياً للحصول على مساعدة. فقد تبين أن القاتل في تكساس فر من منشأة للصحة النفسية عام 2012. وعوامل الخلل والأوهام التي تجعل شخصاً خطيراً تستطيع أيضاً أن تعميه عن جنونه. وقد تكون المشكلة أعمق من هذا. فالعلل النفسية التي قد تتجسد في قتل جماعي متنوعة ومعقدة. فقد أظهر القتلة علامات تدل على الفصام والرغبة في تعذيب الآخرين والاكتئاب والاضطراب ثنائي الاستقطاب وغيرها. لكن لم تظهر عليهم علامات الشفقة على الذات والاستغراق في الذات والشعور بالعظمة والافتقار إلى التعاطف مع الآخرين، وهي علامات تحدد خلل الشخصية النرجسية. ولعل النرجسية المرض الغالب على العصر الحديث. فمجتمعنا الذري الفردي ركز على إشباع حاجات الفرد وهناك ولع بالشهرة، مما جعل النرجسية تنتعش. وفي تكساس قطعت السلطات التنفيذية ومكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. أي) خطوة صغيرة لكنها مهمة، حين قرروا عدم ذكر اسم القاتل في كنيسة ساثرلاند سبرينجز في تكساس. ويجب أن تنضم منافذ إعلامية إلى هذه الحركة الناشئة للحد من الشهرة التي يتمتع بها قاتل الجماهير. صحيح أن عدداً أقل من النرجسيين قد يجدون حافزاً لتحويل آلامهم الشخصية وفشلهم إلى عملية قتل مشهودة. لكن تقليص الأضواء لن يحل في حد ذاته وباء القتل الجماعي. ومشكلة بمثل هذه الطبيعة الأميركية تحتاج إلى استجابة تجمع الأميركيين سوياً لا أن تقسمهم. وهذا سيتطلب تغيراً في الميول لدى جانبي الخلاف بشأن حقوق امتلاك السلاح. فمن جانب ملاك الأسلحة، نحتاج منهم التزاماً حقيقياً بالسلامة والمسؤولية وهذا يتطلب سد الثغرات القانونية، واحترام فحص السجل الجنائي، وتعزيز قواعد البيانات، وتأييد توفير تمويل مناسب لرعاية الصحة النفسية. فمع الحقوق تأتي المسؤوليات، وحقوق امتلاك السلاح تستتبع مسؤوليات. وبالنسبة للمدافعين عن التحكم في الأسلحة، نحتاج إلى روح جديدة من الاحترام لواقع أن الأميركيين الذين يمتلكون أسلحة لا يفعلون شيئاً خطأ. وما لم يشعر ملاك الأسلحة بالثقة في الاعتراف بحقهم في امتلاك السلاح فلن يتحقق شيء. ديفيد فون دريهل* -------------- *كاتب أميركي -------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»