صادق المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، السبت الماضي، على تثبيت أودري أزولاي مديرة عامة للمنظمة، على أن تتولى منصبها رسمياً اليوم الاثنين، لتصبح ثاني امرأة تشغل هذا المنصب بعد إيرينا بوكوفا التي تنهي ولايتها على رأس المنظمة مع تولي أزولاي صلاحياتها. وأودري أزولاي سياسية ومثقفة فرنسية ومسؤولة سابقة في بلادها. وقد عملت مستشارة ثقافية للرئيس أولاند، ووزيرة للثقافة والاتصال في عهده، ثم أصبحت مرشحة فرنسا لمنصب مدير عام اليونسكو الذي فازت به وتم تثبيتها فيه أول أمس السبت. وقد ولدت أودري أزولاي في باريس عام 1972، لأبوين يهوديين من مدينة الصويرة المغربية، وكان والدها، أندري أزولاي، مستشاراً للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني. وتخرجت أزولاي في جامعة «باريس -دوفين» بشهادة في علوم الإدارة والتسيير عام 1994، ثم حصلت على شهادة الماستر في إدارة الأعمال من جامعة لانكستر البريطانية، قبل أن تلتحق عام 1997 بمعهد باريس للدراسات السياسية، ثم بالمدرسة الوطنية للإدارة لتتخرج فيها عام 2000. أما المسيرة المهنية لأزولاي فبدأت في عام 2000 حين تم تعينها إدارياً مدنياً في الأمانة العامة للحكومة، وشغلت منصب مساعد رئيس مكتب قطاع البث السمعي البصري العام، ثم التحقت بالمركز الوطني للسينما والصور المتحركة في عام 2006، وفي العام التالي أصبحت مديرته المالية. وقد أوصى أولاند، في بداية رئاسته بإدراجها على لائحة التعيينات التالية، لكن ذلك لم يحدث، ثم عينها في الأول من سبتمبر 2014 مستشارة لديه لشؤون «الثقافة والاتصالات»، قبل تعيينها وزيرة للثقافة في الحكومة الثانية لمانويل فالس، يوم 11 فبراير 2016، لتحل محل فلور بيليرين ولتصبح ثالث شخص يشغل هذا المنصب في عهد أولاند. وفي منصبها الجديد، أعلنت أزولاي أن أولويتها ستكون لتسهيل وتوسيع فرص الحصول على الثقافة، لاسيما للشباب والمناطق الداخلية، وضمن ذلك افتتاح المكتبات يوم الأحد. كما بادرت إلى الدفع بمشروع قانون حرية الإبداع والهندسة المعمارية والتراث، بعد أن دافع عنه في البرلمان سلفها فلور بيليرين، ثم استأنفت الدفاع عنه حتى اعتماده في يوليو 2016. لكنها أصرت على تعديلين في مشروع القانون؛ أحدهما يؤكد مجدداً على «دور الدولة» في التراث، وثانيهما يفرض حصصاً إلزامية للأغاني الفرنسية في البث الإذاعي. كما أعلنت عن إصلاح الأحكام التنظيمية المتعلقة بشروط حظر المصنفات السينمائية للقاصرين دون سن 18 عاماً. وأعلن أولاند بحضور أزولاي، في يوليو 2016، أن ميزانية وزارتها ستكون «ذات أولوية» وأنها ستحظى بـ«زيادة كبيرة»، عودةً إلى المستوى الذي كانت عليه قبل تخفيضات عامي 2013 و 2014. ولدى مغادرتها الوزارة في مايو 2017، أعلنت أزولاي أن ميزانية قطاعها عادت بالفعل إلى ما كانت عليه سابقاً، وهو 1% من الميزانية الكلية للدولة، مما يسمح لها بدعم العديد من الأنشطة والمرافق الثقافية، لاسيما مراكز السيرك المتعثرة. وكما لاحظ المراقبون، فإنه رغم الأزمة المالية، ورغم قصر الفترة التي أمضتها أزولاي على رأس الثقافة، فإنها قد تركت بصمة ملحوظة. وقبل ذلك تم اختيار أزولاي ممثلاً للدبلوماسية الثقافية الفرنسية، إلى جانب إيطاليا، من طرف المديرة العامة لليونسكو «إيرينا بوكوفا» في مطلع 2017، للدفع بمشروع قرار أممي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراعات المسلحة. وتعد أزولاي أحد أنصار أولاند الأكثر ولاءً له، وهو الذي قرر ترشيحها لمنصب مدير عام اليونسكو في نهاية فترته الرئاسية. وقد وقفت إلى جانب مرشحه في انتخابات الرئاسة، مانويل فالس، ثم دعت في الشوط الثاني من انتخابات الرئاسة إلى التصويت لصالح مانويل ماكرون ضد مارين لوبان. وبعد فوزه بالرئاسة، قرر ماكرون الاستمرار في دعم أزولاي باعتبارها مرشحة فرنسا لقيادة اليونسكو. وقالت أزولاي إنه رغم ترشح الصين وغواتيمالا وأذربيجان لرئاسة اليونسكو، فإن ترشيح فرنسا مبرر وضروري، لقدرتها على جعل اليونسكو مرة أخرى «مكاناً للحوار»، ولخصوصية إسهامها في الثقافة والتعليم والعلوم، ولكونها الدولة صاحبة امتياز استضافة اليونسكو، علاوة على غياب المرشح العربي الموحد المفترض، فضلاً عن التاريخ الخاص لأزولاي شخصياً وما لها من علاقات عميقة على جانبي البحر الأبيض المتوسط. كما واجهت أزولاي ثلاثة مرشحين عرب، أولهم مرشحة مصر مشيرة خطاب المدعومة عربياً وأفريقياً، ثم المرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري الذي بدأ حملته قبل عامين ونصف العام، وتمتع بميزانية استثنائية لحملته. وفي الجولة الأولى يوم التاسع من أكتوبر المنصرم، والتي لم يستطع أي مرشح حسمها لصالحه، حصلت أزولاي على 13 صوتاً، بينما حصل اللبناني «فيرا خوري لاكويه» على 6 أصوات، وخطاب على 11 صوتاً، والكواري على 19 صوتاً. وفي يوم 13 أكتوبر انتهت الجولة الخامسة والأخيرة بين المرشحين، الفرنسية والقطري، بهزيمة الكواري أمام أزولاي بـ30 مقابل 28، من أصل 58 صوتاً في المجلس التنفيذي لليونسكو. وهي النتائج التي أقرها المؤتمر العام للمنظمة خلال اجتماعه بمقرها في باريس، أول أمس السبت، حيث حصلت أزولاي على 131 صوتاً من أصل 184، بينما كان العدد المطلوب لتثبيتها في المنصب هو 76 صوتاً فحسب. وبذلك تبدأ اليونسكو مرحلة أخرى من تاريخها تحت رئاسة ثاني امرأة تقودها، وسط تحديات ليس أقلها انسحاب الولايات المتحدة مجدداً من المنظمة، وأخطار التدمير التي تواجه الآثار الثقافية في كثير من مناطق الحروب والنزاعات حول العالم. وتهدف «منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم» (اليونسكو) إلى تطوير التعاون العلمي والثقافي العالمي، من خلال 50 مكتباً لها وعدة معاهد تدريسية حول العالم، وعبر خمسة برامج تتعلق بالتعليم، والثقافة، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية، والإعلام. كما تدعم العديد من مشاريع محو الأمية وحماية الآثار والتراث العالمي. لكن اليونسكو تتعرض لصعوبات مالية مزمنة أصابت بالشلل بعض برامجها ومكاتبها، خاصة بعد تعليق الولايات المتحدة مساهمتها في موازنة المنظمة عقب قبولها عضوية فلسطين في أكتوبر 2011، إذ أصبحت العضو الـ195، فتراجعت موازنة المنظمة بنسبة 22% لتنخفض من 653 مليون دولار إلى 507 ملايين دولار، مما أدى لتسريح 300 موظف من أصل 1200 في المقر الرئيسي للمنظمة في باريس و900 في مكاتبها عبر العالم. لذلك أكدت أزولاي، السبت، أن أولويتها ستكون لتهدئة الأجواء المتوترة في المنظمة، في إشارة إلى الانسحاب الأميركي، والمواجهة المستمرة بين إسرائيل والدول العربية داخل المنظمة. كما وعدت بالإصلاحات المطلوبة، ربما كناية عن إجراءات صعبة قد تضطر لاعتمادها في ظل العجز المالي الذي تعانيه اليونسكو. محمد ولد المنى