على ضوء رفع العقوبات شبه الكامل الذي كانت تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على السودان، إثر جهود وتدخلات هادئة ومساع حميدة قامت بها السعودية والإمارات لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، يكون السودان الشقيق قد دخل مرحلة جديدة مهمة تتطلب من المسؤولين فيه وقفة جادة مع النفس لتعديل العديد من المسارات التي أوصلته إلى هذا الوضع الخطير الذي يعاني فيه من التدهور الاقتصادي والخصام السياسي. وما أعتقده كأمر مبدئي على المسار السياسي بالذات هو العمل على إجراء تعديلات وتغييرات تهدف إلى إصلاح الحياة السياسية والدستورية في هذا القطر العربي المهم في أفريقيا الذي دمرته حتى الآن الفرقة السياسية والحروب الأهلية منذ حصوله على الاستقلال في الأول من يناير 1956. وما سأقوم به على مدى الأسابيع القليلة القادمة هو كتابة عدد من المقالات التي سأوضح فيها ما أعتقد بأنه يشكل بداية حقيقية لعملية الإصلاح الشاملة التي يحتاجها السودان بعد أن رفعت عنه العقوبات التي نالت من جسده قدراً لا يستهان به، وأوصلته إلى شفا الهاوية الاقتصادية وشلل العديد من جوانب الحياة فيه. جل ما أتمناه أن تجد هذه المقالات صداها المرجو والصدور الرجفة التي تستفيد فيها لأنها لا تهدف إلى النقد مطلقاً، ولكن إلى تقديم وجهات نظر صادقة قد تصيب وقد تخطأ، إن أصابت، فإن ذلك هو الهدف وإن أخطأت فإن اعتذاري مقدم سلفاً إلى السودان وأهله الكرام الذين أعتبر نفسي واحدا منهم وتجمعني بهم العديد من الأمور الحميدة التي أتشرف بها بعد هذه المعاشرة الطويلة معهم. وعلى أية حال الأنباء المفرحة القادمة من الخرطوم تشير إلى أن المواطنين فرحين جداً برفع العقوبات الجائرة التي فرضت على وطنهم لردح طويل من الزمن، وإلى أنه على قمة الإصلاحات المبتغاة هي إجراء تعديلات جوهرية على الدستور المعمول به حالياً، والذي تبدو على مواده وبنوده ومضامينه وتفاصيله بصمات واضحة لفكر جماعة «الإخوان» الإرهابية التي تغلغلت في السلطة فيه منذ أواخر فترة حكم المرحوم جعفر محمد نميري رحمه الله رئيس السودان السابق. التعديلات الدستورية المطلوبة لا بد لها وأن تهدف إلى إدخال المزيد من المواد والبنود التي تتيح المزيد من المشاركة لأطراف عدة من ألوان الطيف السياسي السوداني، خاصة تلك التي تشكل المعارضة المعتدلة التي لم تتلطخ أياديها بالدماء. ورغم عدم الإلمام حتى هذه اللحظة بما يمكن إدخاله من تعديلات وبطبيعة التغييرات التي توجد حاجة ماسة إلى إجرائها، إلا أنه من نافلة القول الإشارة إلى أن الدستور المعمول به حالياً هو دستور وضع لكي يعكس فكراً أيديولوجياً محدداً أضر بالبلاد كثيراً وأدخلها في المزيد من الفرقة السياسية والحروب الأهلية الطاحنة وشطرها إلى نصفين بفصل الجنوب عن الشمال وهيأ الأرضية الخصبة لمزيد من النزعات الانفصالية في جميع أنحائه. وليس من المبالغة الإشارة إلى أن السودان مصاب بداء عدم الاستقرار منذ أمد طويل يعود إلى الأيام الأولى للدولة المهدية التي استمرت لثلاثة عشر عاماً، واليوم وبعد مضى ما يقارب الثلاثين عاماً من تطبيق ما يقال بأنه قوانين إسلامية يلاحظ بأن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستمرة في المعاناة من الكثير من جوانب القصور الجديد. لذلك فإن فئات سودانية من مثقفين وغيرهم ممن في ذلك طائفتا الأنصار «المهدية» والختمية «الميرغنية» تنتقد على الملأ ما تم تطبيقه وتشجب العيوب التي اتسمت بها عند سنها وعند تطبيقها من حيث كونها تلفيقاً مضحكاً. وربما أن تلك الفئات تفترض بأنها تستطيع إفساح الطريق أمام إزالة تلك القوانين عن طريق التشهير بها علناً والاحتجاج على استمرار استخدامها، لكن الذي حصل هو أن المنادين بالأسلحة لم يكن يهمهم إن كانت القوانين تطبيقاً لمبادئ الشريعة بشكل صحيح بقدر اهتمامهم بالإبقاء على مبدأ أن الأسلحة يجب أن تستمر وبأي شكل كان. *كاتب إماراتي