في مارس الماضي كتبت عموداً، على شكل مذكرة، موجهة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر، ووزير الأمن الداخلي في ذلك الحين جون كيلي، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون. بدأت المقال على النحو التالي: «السادة الأعزاء، أكتب إليكم هذه المذكرة اليوم، باعتباركم الخمسة الكبار في إدارة ترامب، الذين تتمتعون بأقصى درجة من النزاهة. ماتيس، وماكماستر، وكيلي، لقد خدمتم أنتم الثلاثة أمتنا كجنرالات في معاركها. وأنت يا بومبيو، كنت الأول على صفك حين تخرجت من الكلية العسكرية الأميركية في ويست بوينت. أما أنت يا تيلرسون، فقد كنت تدير واحدة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة. وأنا أكتب إليكم مباشرة، لأنني أعتقد أنكم "آخر الرجال المحترمين القلائل"، القادرين على الوقوف، في وجه تحديات الإدارة الحالية». حسناً، نكتفي بهذا القدر من المقال، ونتناول الأسماء المذكورة واحداً واحداً. سيتبين لنا من خلال هذا التناول، أن ماكماستر لا يبدو أنه قد بنى الكثير من العلاقات الشخصية مع الرئيس دونالد ترامب، التي تتيح له التأثير عليه، في حين أن تيلرسون ألقى بنفسه إلى التهلكة فعلياً، عندما انتقد الرئيس، ثم ظهر بعد ذلك في شريط فيديو حول الإفراج عن رهائن أميركيين، وهو يشيد بذكر الرئيس، ويؤكد لنا أن الرئيس «رجل ذكي» في الحقيقة. هذا عن تيلرسون، أما بومبيو، فقد أظهر لنا بجلاء مؤخراً المدى الذي وصل إليه في بيع روحه. ففي معرض إجابته عن سؤال وجه إليه، قال أمام مؤتمر عقدته «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»: «إن التقييم الذي خلص إليه مجتمع المخابرات بشأن تدخل الروس في الانتخابات هو أن ذلك التدخل لم يؤثر على نتيجتها النهائية». وكان هذا زيفاً صريحاً من جانبه، لأن وكالات «سي آي إيه»، و«إف بي آي»، و«إن إس آيه»، أصدرت تقريراً في يناير الماضي، خلصت فيه إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصدر شخصياً أمراً بشن حملة للتأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016. وفي النهاية، يحزنني القول إن كيلي قد بدد هو أيضاً سلطته الأخلاقية، بالظهور في شريط الرهائن المذكور. وقد بدأ كيلي هذا الشريط بداية جادة، وتحدث بفصاحة وبقدر كبير من الكرامة، عن ألم فقد ابنه في المعركة، وعن بعض القيم الأساسية التي فقدها مجتمعنا أيضاً، بل وبدا وكأنه يفسر كيف جرى التشويش على مكالمة للرئيس مع أرملة رجل يدعى «جرين بيريت» قتل في النيجر. ولو كان كيلي قد توقف عند هذا الحد لكان كل شيء على ما يرام، ولكنه بدأ يتحدث بنفس الطريقة التي يتحدث بها ترامب، وراح، من دون أي مبرر، يلطخ سمعة عضو كونجرس سوداء، كانت صديقة لعائلة «جرين بيريت» المكلومة، ويوجه إليها تهماً زائفة. ولابد أن «سارة هاكابي ساندرز»، المتحدثة باسم البيت الأبيض، قد أدركت أن كيلي قد فقد سلطته الأخلاقية، لأنها حاولت في اليوم التالي مباشرة، إخراس الصحفيين الذين عارضوا تعليقاته على عضوة الكونجرس، برفع الزي العسكري الرسمي لكيلي بين يديها، ومخاطبة الصحفيين قائلة: «إذا ما كنتم تريدون الدخول في سجال مع جنرال مارينز من رتبة الأربع نجوم، فإنني أعتقد أن هذا سيكون بمثابة شيء غير لائق، إلى حد كبير». وأقول، معذرة يا سارة! ولكن عندما يلجأ جنرال إلى أسلوب مشكوك فيه، فإنه قد يفقد سلطته الأخلاقية، كما قد يفقد مصداقيته أيضاً. ولا يبقى لدينا بعد ذلك إلا ماتيس باعتباره الجنرال الوحيد المتبقي، والرجل الوحيد الذي لم يتلوث بالسرطان الأخلاقي، والرجل الوحيد الذي لم يسمعه أحد وهو يكذب بالنيابة عن أحد، والذي ما زال قادراً أيضاً على أن يبث بعض الخوف في أوصال كثيرين. حسناً يا ماتيس، لديّ بعض النصائح المجانية التي أقدمها لك باعتبارك الجنرال الأخير المتبقي: لا تكتفِ بالوقوف معهم، لأنك إذا ما فعلت ذلك، فستكون التالي الذي سيضحى به على قائمة الإدارة، للتهرب من مسؤوليتها عن العملية المرتبكة في النيجر. عزيزي الوزير ماتيس، نحن لا نريد المزيد من التشخيص للمشكلة، وإنما نريد عملاً. وأقصد أنك يجب أن تقود ماكماستر، وتيلرسون، وكيلي (بومبيو قضية خاسرة)، في إخبار ترامب أنه إذا لم يغير أساليبه، فإنكم ستستقيلون، بصفة جماعية. وقولوا له: لن نسمح بالمزيد من التغريدات التي تهاجم الناس كل صباح، ولن نسمح لك بأن تخبر أعضاء مجلس الشيوخ الذين يصوغون المواءمات الحزبية بشأن الهجرة والرعاية الصحية، بأنك معهم في يوم وضدهم في اليوم التالي. إن هذه المجموعة التي تقودها أنت يا ماتيس ما زالت لديها سلطة. وإذا لم تتمكنوا أنتم الأربعة من إقناع ترامب باتباع أجندة للتوافق القومي، والتقدم، فعليكم جميعاً أن تخبروه بأنكم لن تكونوا معه، لأنكم أقسمتم على الدفاع عن الدستور، وارتدى ثلاثة منكم الزي العسكري الرسمي بشرف في ساحة المعركة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»