ليس بمستغرب أن الرئيس دونالد ترامب حين هاجم جون ماكين الأسبوع الماضي لم يرد على جوهر الحجة التي طرحها السناتور الجمهوري، بل رد ترامب قائلاً: «على الناس أن يحذروا لأنني في مرحلة ما أرد على الهجوم. أنا لطيف جداً جداً. لكن في مرحلة ما أرد على الهجوم، وهذا لن يكون لطيفاً»، لكن الواقع أن التحدي الذي طرحه ماكين قبل أسبوع تقريباً وأيده الرئيس السابق بوش الابن يوم الخميس الماضي، يتعلق أساساً بفكرة أن الديمقراطية محاصرة حول العالم، وتساءل الجمهوريان المخضرمان بشأن ما إذا كان يمكن للديمقراطية استعادة الثقة فيها. لكن استعادة الثقة في الديمقراطية تعتمد في جانب كبير منها على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحترم ما وصفه ماكين بـ«التزامات القيادة الدولية وواجبنا أن نظل أفضل أمل على الأرض». وليس من السهل أن نعرف مدى ما كسبه الاستبداد من أرض ومدى تراجع الحرية حول العالم خلال العقد الماضي، بعد سنوات من التحرك في اتجاه أكثر إيجابية. وفي ذات اليوم الذي ألقى فيه ماكين كلمته أثناء استلامه وسام الحرية لعام 2017 من مركز الدستور القومي، صادف مشاركتي في حلقة نقاشية حول التوجه المتعلق بانحسار الديمقراطية حول العالم في معهد هوفر بمدينة «بالو ألتو» بولاية كاليفورنيا. وفي الحلقة النقاشية، أشار لاري دايموند خبير الديمقراطية في مركز هوفر وجامعة ستانفورد، إلى استطلاعات رأي توضح أن المطالبة بالديمقراطية ما زالت مرتفعة حتى في مناطق أفريقية تتقاعس حكوماتها عن تحقيق الديمقراطية. لكن دايموند أكد أن العالم يشهد «انحساراً عميقاً للديمقراطية» يقل فيه عدد الدول التي تعيش بحرية، وفقاً للقياس الذي تقوم به مؤسسة فريدوم هاوس سنوياً، وتبرز فيه قوة روسيا والصين ويشهد حملات ضد الديمقراطية تمتد من تركيا إلى تايلاند إلى المجر وتظهر فيه «موجة من الشعبوية غير الليبرالية» و«تفسخ القيم الديمقراطية وتراجع الثقة بالنفس في الولايات المتحدة وأوروبا». وتلقى دايموند مؤخراً رسالةً مثيرة للمشاعر من زعيم مدني في أوغندا التي يعدل دستورها الرئيس يوري موسيفيني الماسك بالحكم منذ عام 1986 كي يمد فترة حكمه وقتاً أطول. وجاء في خطاب الناشط الأوغندي: «اقتحم أفراد من القوات المسلحة البرلمان وضربوا الأعضاء الذين اعترضوا على مشروع قانون لرفع حد السن. يبدو لي أن المنطقة بأسرها تشهد انحساراً شديداً للديمقراطية، وهذا يرجع في جانب منه إلى الصمت المطبق من الحلفاء الغربيين. في الماضي كانت السلطة تتردد قليلاً في أن تكون بمثل هذه الوحشية والعنف، وكانت تردعها بعض معايير الشعور بالخزي. كل هذا انتهى». وللمرء أن يجادل بشأن أسباب تفسخ الديمقراطية الذي يتضح أنه لم يبدأ مع ترامب، فقد نلوم غزو بوش للعراق، وتخلي أوباما عن سوريا وتركها لمصيرها المروع، أو الاتجاهات الأساسية الأعمق لركود الأجور وعدم المساواة الاقتصادية، وتشظي مواقع التواصل الاجتماعي، لكن إعراب ترامب عن إعجابه ببعض القادة وتقليله من أهمية القيم الديمقراطية.. أسرع بهذا الإيقاع وصدم كثيرين حول العالم. وذكرت كوري شاك، الخبيرة الدفاعية الجمهورية والباحثة في معهد هوفر في الحلقة النقاشية نفسها أن القلق العالمي اليوم يذكرها بما سمعته من الحلفاء بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأضافت أن الناس: «خائفون نوعاً ما من أن تصبح أميركا مكاناً مختلفاً عما اعتقدوا أنهم يعرفونه». وحين أعدت كلام شاك على مسامع مايكل مكفاول، الباحث في معهد هوفر وجامعة ستانفورد، والذي عمل سفيراً لأميركا في روسيا خلال إدارة أوباما، قال إنه: «متفائل بشأن قدرتنا على التجدد كمجتمع ديمقراطي»، لكنه أقل تفاؤلاً فيما يتعلق بالقيادة العالمية. ويرى أن «فترة الانكفاء بدأت في إدارة أوباما، لكن ترامب صيغة أكثر تشدداً، وأخشى من احتمال استمرار هذا التوجه». الجيد في الأمر أن الولايات المتحدة تحاول التصدي للهجوم السلطوي، ما يعني أنه إذا تحركنا قد نحول مسار قوة الزخم، ومن الواضح أن هذا ما يأمل فيه مخضرمو الحزب الجمهوري، فقد صرح الرئيس بوش الابن أنه «لأكثر من 70 عاماً، آمن الرؤساء من كلا الحزبين بأن الأمن والرخاء الأميركيين يرتبطان مباشرة بنجاح الحرية في العالم، وعرفوا أن النجاح يتوقف في جانب كبير منه على القيادة الأميركية». أما ماكين فأكد أننا «لن ننتعش في عالم تغيب فيها قيمنا ومثلنا»، لكن غير المطمئن في الأمر هو قلة عدد الزعماء الجمهوريين الذين يمكنهم الدفاع عن القيم الأميركية التقليدية بالطريقة نفسها، وما لم يفعلوا هذا فسوف تتزايد على الأرجح احتمالات تحول الانحسار الديمقراطي من ظاهرة طارئة إلى بداية ظهور شيء أكثر بشاعة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»