عقد منتدى «الاتحاد» دورته السنوية يوم الخميس الماضي في استمرار لهذا التقليد الرفيع الذي استنته صحيفة «الاتحاد» لتؤسس لنفسها مكانة رائدة في الساحة الإعلامية العربية، وكان طبيعياً أن يدور منتدى هذا العام حول مكافحة الإرهاب، وكان بديهياً أن يحتل النظام القطري وسياساته الداعمة للإرهاب صدارة اهتمام المشاركين، ولا شك أن الأوراق التي قدمت في المنتدى والتعقيبات عليها، وكذلك المناقشات الثرية للمشاركين، قد أضافت الكثير لفهم الأزمة الراهنة التي تسبب فيها ذلك النظام، وتحليل أبعادها المختلفة وسبل تجاوزها، وأتخير من الموضوعات التي أُثيرت في المنتدى ثلاثة، أولها عن طبيعة هذه الأزمة، بينما يركز الموضوع الثاني على الذراع الإعلامية للسياسة القطرية المتمثل في شبكة قنوات «الجزيرة»، ويُعَرف الأخير ببعض الأفكار التي طُرحت بخصوص مستقبل الأزمة. أما عن طبيعة الأزمة الراهنة فكان ثمة إجماع على أنها ليست وليدة الساعة، وإنما هي حصاد سياسات ذلك النظام منذ انقلب حاكم قطر السابق على أبيه في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبدأ في تبني سياسة سرعان ما اتضح طابعها الماس باستقرار دول خليجية وعربية وأمنها، الأمر الذي بدأ يفجر مجموعة من الأزمات مع هذه الدول، وكان مصدر المشكلة أن ذلك النظام اختار أن يكون ظهيراً لجماعة «الإخوان المسلمين» التي لا تعترف أصلاً بشرعية النظم الحاكمة، ومن ثم تعمل على تغييرها بشتى الوسائل بما في ذلك العنف الممنهج الذي اتبعته في حركتها منذ اشتد عودها بعد نشأتها في مصر في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وهو العنف الذي تفاقم على أيدي الجماعات التي تفرعت عنها، ناهيك عن علاقات النظام القطري مع مشاريع الهيمنة الإقليمية وعلى رأسها المشروع الإسرائيلي والإيراني والتركي، فضلاً عن مؤشرات تُفيد بأن النظام القطري يعمل لحساب أجندات قوى دولية توظفه لتحقيق أهدافها المعادية للأمنين الخليجي والعربي، وقد أدت سياسات هذا النظام منذ انقلاب 1995 إلى مشكلات وأزمات في علاقته بعدد من الدول العربية، وتفاقم الأمر بعد ما عُرف بـ«الربيع العربي» نظراً لما بدا من أن مشروع «الإخوان المسلمين» يكتسي بعد ذلك خطورة في تونس ومصر وغيرهما، وزادت الأمور سوءاً بعد الإطاحة بحكمهم في مصر، إذ شعر النظام القطري بخسارته الفادحة من جراء هذا التطور فصعّد من ممارساته التخريبية، بل لقد وصلت هذه الممارسات إلى الدول الخليجية ذاتها فكانت الأزمات التي أفضت إلى اتفاق الرياض 2013 الذي اعترف فيه النظام القطري بممارساته، وإن على نحو غير مباشر، ومع ذلك لم يلتزم به، فكان اتفاق الرياض التكميلي 2014 الذي جاء أشد وطأة على هذا النظام، ومع ذلك لم يلتزم به أيضاً إلى أن وقعت الأزمة الراهنة. وكان طبيعياً أن تحظى شبكة قنوات «الجزيرة» بتركيز لافت باعتبارها الذراع الإعلامية للنظام القطري في تنفيذ سياساته التخريبية، وهنا تم التركيز على استراتيجيتها الإعلامية الهادفة إلى تفتيت الدول العربية والقضاء على قوة جيوشها، وكذلك الخادمة لمخطط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بدعوى تمثيل الرأي الآخر، وهي دعوى تدحضها النظرة الشاملة للسياسات الإعلامية لتلك الشبكة، كما لفتت إحدى أوراق المنتدى إلى النجاح الذي حققته «الجزيرة» الإنجليزية في الوصول إلى الرأي العام المؤثر في الولايات المتحدة وأوروبا وطالبت بضرورة المواجهة الشاملة والممنهجة لهذا الحضور الإعلامي الدولي، وخاصة أن المواقف الدولية من الأزمة الراهنة تتميز بميوعة ظاهرة. أما مستقبل الأزمة فقد طُرحِت بشأنه أفكار مفيدة منها أن الأزمة ممتدة بحكم أنها تتعلق بأهداف أساسية لطرفيها، وبالتالي فإن تقديم التنازلات ليس سهلاً وخاصة أن جوهر الأزمة يتعلق بالمشروع السياسي للنظام القطري وتقديمه أي تنازل جوهري من شأنه تقويض شرعية هذا المشروع، ومن ثم فإن هزيمته لن تتم إلا بالتأثير الذي بدأت تُحدثه إجراءات المقاطعة، ولذلك فإن الدراسة الدقيقة لها واجبة لسد أي ثغرات فيها، وكذلك يمكن لهذه الهزيمة أن تتم عندما تنجح النخبة السياسية والرأي العام في قطر في إعادة حساباتها بما يوصلها إلى اتخاذ ما يلزم لإعادة قطر إلى محيطها الخليجي والعربي، وأخيراً وليس آخراً فقد أشارت إحدى الأوراق إلى أن خبرة رعاة الإرهاب تشير إلى أن الأمر ينتهي بهم إلى أن يحرق أصابعهم.