وكأن شهر أكتوبر الذي يحمل رائحة وعبق الانتصار يريده البعض شهراً حزيناً على مصر والمصريين، لكن يفوت الكائدين والحاقدين أن دماء الشهداء التي روت أرض الفيروز لا تزال ترويها من جديد. تلفت النظر تلك الهجمات الظلامية التي تعرضت لها مدينة العريش خلال الأيام القليلة الماضية، والتي سقط فيها شهداء من المدنيين ورجال الشرطة والجيش. والسؤال: ما هو الهدف من ورائها؟ وفقاً لعلم الجريمة: «ابحث عن المستفيد». والمستفيد هنا القوى الظلامية كافة التي لها مصلحة في أن تظل شبه جزيرة سيناء ملتهبة مشتعلة، ما يبرر سيناريوهات أكثر خبثاً تراد بتلك البقعة المصرية الطاهرة. هذا ثانياً، أما أولاً فالمراد هو وقف عجلة النماء والبناء في مصر المحروسة، والتي تشهد مرحلة انطلاق بعد سنوات طوال تعرضت فيها ولا تزال لمؤامرات المتآمرين، والتي باتت مكشوفة للقاصي والداني. هل يكرر التاريخ ذاته؟ المقولة الشهيرة لكارل ماركس: «التاريخ لا يكرر نفسه لأنه لو فعلها يكون في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة»، والمرء يمكنه أن يجد وجاهة ما هنا، غير أنه وفي كل الأحوال إن لم تكن الأحداث تتكرر، فإن مجريات التاريخ تمتلئ بالمتشابهات. هناك في العالم من يرى أن مصر حالياً بقيادة الرئيس السيسي تكاد تشابه الفترة التي تولى فيها حكم البلاد «محمد علي باشا»، حيث قاد البلاد إلى نهضة كبرى، بلغت فيها شأواً عالياً رفيعاً، ولهذا تكالبت عليه الأمم الغربية وأدخلته في حروب، انتهت بتحطيم الأسطول المصري في موقعة «نافارين» عام 1827، لتحجيم طموحات مصر. الأمر تكرر في القرن العشرين مع جمال عبد الناصر، صاحب لواء القومية العربية والرجل الذي اجتمع العرب من حوله وحول مصر إلى مشروع داخلي للعدالة الاجتماعية والبناء والتطوير بعيداً عن الرأسمالية الغربية المتوحشة ومذلة البنك وصندوق الدوليين، وإعادة بناء مصر الحديثة، ولهذا كان الجزاء معركة يونيو 1967 لتتوقف التجربة الناصرية وإلى الأبد. الشاهد لمصر اليوم يرى أنها كطائر الفينيق تقوم من بين الرماد، فلا أحد يصدق أن هذه هي الدولة نفسها التي كانت على شفا حفرة من الهلاك والحرب الأهلية منذ نحو ثلاث سنوات، غير أنها اليوم دولة شابة فتية بسواعد أبنائها وبدماء شهدائها تتجاوز الصعاب، وتعبر إلى الضفة الثانية من الأمل. الضفاف التي تعبرها مصر اليوم عديدة وليست ضفة واحدة كما الحال مع القناة عام النصر في سبعينيات القرن المنصرم، إنها تعبر بداية أزمة الفتنة والصراع المجتمعي الذي خلفته جماعة «الإخوان» الإرهابية من ورائها، وقصدها الرئيس تفكيك النسيج الاجتماعي المصري، ولاحقاً تفخيخ مصر ومن ثم تقسيمها أو في أضعف الإيمان وضعها من جديد ضمن سياق دولة «الخلافة» المرجوة، أو فتح الأبواب أمام العثمانيين الجدد مرة أخرى، لتعود البلاد إلى دائرة المهانة التاريخية. الدماء التي تروي سيناء اليوم من جراء العمليات الإرهابية الخسيسة، رسالة إلى الدولة المصرية الفتية التي تتجرأ على الأمل الحقيقي في أحداث مصالحات بين حركتي «حماس» و«فتح» في فلسطين، لتسحب من سلطات الاحتلال ذريعة الانقسام الفلسطيني ولتوحد الجهود وراء راية إحقاق الحقوق وقيام الدولة الفلسطينية الواحدة وعاصمتها القدس الشريف. ولا يغيب عن الأذهان أن هناك من له مصلحة في تخريب مثل هذا الاتفاق، ومحاولة إظهار سيناء كمنطقة تعمها الفوضى، تمهيداً للمناداة بتدويل المنطقة كمقدمة لقضم مناطق منها، وإضافتها إلى غزة، هذا الحلم الإسرائيلي الخبيث الذي يراود المخيلة الصهيونية منذ وقت طويل. غير أن مشاهد جثث الإرهابيين على الملأ، تبطل كل تلك التهويمات. ومؤخراً علت أصوات عديدة تطالب بأن تتخذ مصر خطوات تتسق وسياسة الأرض المحروقة حيال العديد من المناطق في سيناء، لكن العقلاء من أصحاب القرار رفضوا هذا القرار، لا سيما وأن الفئة الضالة الباغية التي وجدت طريقها إلى الأرض المقدسة في سيناء خلال عام حكم «الإخوان» الإرهابيين، والذين حلموا بأن تكون سيناء ملاذاً لجميع هؤلاء، وأن يقيموا عليها ولاية إسلامية تجمع كل إرهابيي العالم، لا يمكن السماح لها بتدمير حياة ومعاش الآلاف من بدو سيناء الشرفاء، وكثير منهم لعبوا أدواراً مشرفة خلال سنوات حرب الاستنزاف والاستعداد لحرب أكتوبر. يؤلم القوى الكارهة لمصر أن تكون أم الدنيا دولة «واثقة الخطى»، دولة تحدث أساطيلها البحرية بأحدث ما تمتلكه الجيوش العالمية، وتعزز سلاحها الجوي بأقوى وأفضل الطائرات الحديثة، لتدافع عن البر والبحر.. يريدون مصر غارقة في الظلام.. لكن مصر تفاجئ العالم بشبكات كهرباء جديدة لديها فائض للتصدير، وبعاصمة إدارية جديدة، وعلى ساحل المتوسط يدشن رئيسها مدينة العلمين الجديدة رمزاً للسلام، وينابيع الغاز تتفجر على شواطئها حاملةً الخير الوفير. خفافيش الظلام لن يقدروا على مواجهة الأبطال في الأرض الطاهرة، حيث أول حوار بين الأرض والسماء: «اخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوى». ------------------------ *كاتب مصري