في نهاية تسعينيات القرن الماضي، انتشرت مزحة تقول: «كم عدد الأشخاص المطلوبين لتركيب مصباح كهربائي؟»، وكانت الإجابة: «شخص واحد هو ألان جرينسبان.. يمسك بالمصباح والعالم يدور من حوله لتركيبه»، وقد كان ذلك عصر «ما قبل الشعبوية» عندما كان الخبراء والتكنوقراط يحظون بالاحترام والتقدير، وكان «جرينسبان»، الرئيس الأسبق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) هو أكثر الأشخاص المؤهلين، وببصيرة نافذة، تمكّن من السيطرة على أسواق المال والاقتصاد العالمي، لدرجة أن بيل كلينتون اعتاد على المزاح قائلاً إن «رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي أكثر قوة من الرئيس نفسه». وفي الوقت الراهن، بينما يدرس الرئيس دونالد ترامب اختيار الرئيس التالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، فقدت معظم البنوك المركزية هالة «بطلها الخارق»، وربما يرجع ذلك إلى أن إدارة ترامب تركت بعضاً من أهم المناصب في المجلس شاغرة، فهناك ثلاثة من بين سبعة مقاعد أعضاء مجلس محافظي «الاحتياطي الفيدرالي» شاغرة، غير أن المشكلة الأخطر هي أن رؤساء البنوك المركزية يعانون من أزمة ثقة فكرية، على النقيض من أيٍّ ممن سبقوهم منذ أن ارتفعت معدلات التضخم إلى أكثر من عشرة في المئة في سبعينيات القرن الماضي، وحتى قبل عام أو عامين سابقين، كان رؤساء البنوك المركزية في الولايات الأميركية يتصورون أنهم يدركون مهمتهم، ولكنهم الآن ليسوا متيقنين. وتبدأ الأزمة بالسلوك الغريب لمعدلات التضخم التي لا تزال عند مستوى أدنى من هدف الاحتياطي الفيدرالي المحدد عند اثنين في المئة، منذ تسعة أعوام متواصلة، وبعد انفجار فقاعة الرهن العقاري في عام 2008، كان «انخفاض معدلات التضخم» أمراً غير مفاجئ، بعد أن بلغت مستويات البطالة عشرة في المئة، ومن ثم تمكن أصحاب العمل من توظيف كل من يحتاجون إليه من موظفين من دون أن يضطروا إلى رفع الأجور، وأما الآن استقرت معدلات البطالة عند 4.2 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ عام 2000. ومن المثير للحيرة أن معدل التضخم المفضل لـ«الاحتياطي الفيدرالي» هو المستوى المتدني 1.4 في المئة. والمشكلة في ذلك هي أنه منذ حقبة تسعينيات القرن الماضي، اعتقد «الاحتياطي الفيدرالي» أنه إذا ضبط معدلات التضخم، فإن الجوانب الأخرى في الاقتصاد كافة ستنضبط تبعاً لذلك، واستقرار مستوى التضخم عند اثنين في المئة يعني أن التوظيف واستغلال الطاقة الإنتاجية بشكل عام ستبقى عند مستويات مستدامة، ليست منخفضة، فتؤدي إلى معدلات بطالة مؤلمة، ولا مرتفعة بدرجة خطيرة، فتحدث أزمات أخرى. وأما الآن يقوض استقرار الأسعار المربك الاعتقاد بأن التضخم هو «ممثل أمين» للاستقرار الاقتصادي على نحو واسع النطاق، فوفقاً لمذهب ضبط التضخم، ينبغي أن تشير مستويات التضخم المنخفضة إلى أن طاقة الإنتاج الصناعي غير مستغلة بشكل كامل وارتفاع معدلات البطالة، ولكن في الوقت الراهن، ليس الأمر كذلك! ويضع ذلك البيت الأبيض أمام ضرورة اختيار رئيس لـ«الاحتياطي الفيدرالي» يكون منفتحاً على فكرة أنه لم تعد هناك جدوى من «استهداف مستوى محدد للتضخم»، ويقبل فكرة أن التهديد الأكبر على استقرار النمو والبطالة ينبع من خطر الإفلاس المالي، وإذا كانت الإدارة عازمة على اختيار شخص يقبل ذلك، فالمرشح البارز هو «كيفين وارش»، المسؤول السابق في «وول ستريت»، والمحافظ السابق في «الاحتياطي الفيدرالي»، والذي لطالما كان متشككاً في تصرفات «الاحتياطي الفيدرالي». سباستيان مالابي باحث اقتصادي بـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»