في إطار رسالتها الحضارية أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة عدة مؤسسات علمية ودينية عالمية ودولية تُعنى بتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، وتقوم بتفكيك خطاب التطرف والكراهية ومواجهة جماعات الإسلام السياسي، منها: "مجلس حكماء المسلمين" كقوة مبادرات لحل النزاعات، "منتدى تعزيز السلم" كفضاء حر للعلماء لتأصيل ثقافة السلم، "مركز هداية كجسر تعاون مع الشركاء الغربيين في تحصين الشباب من تيارات الغلو، و"مركز صواب" كصوت العقلاء في الرد على مزاعم المتطرفين. وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال إطلاق هذه المبادرات، إلى دراسة سبل تجاوز سلبيات ما أنتجه الخطاب الإسلامي في ظل ظروف الأزمة فكراً وأدبيات غلب عليها الذاتي والمحلي الضيق، والذي يعكس انتماءات وتحيّزات لنظم وتيارات فكرية وطائفية ودعوية معينة، أكثر مما يعكس تعبيراً عن هوية وخصوصية وذاتية منفتحة قابلة للتلاقح والتواصل مع غيرها، إيماناً من أولي الأمر بأن هذا الضرب من الفكر يعمق الأزمة ويجذّرها، ويعيد إنتاجها في كل طور من أطوار نموه، مما يزيده تهميشاً وقابلية للاستلاب والاستيعاب من طرف القوى المهيمنة في ساحة التدافع الكوني. وهذا ما يبرر الوجود المستمر لظاهرة الانقسام والتعدد السلبي المفضي إلى الخصام والاحتراب، والتي تفرض تعزيز الأطر المرجعية القادرة على توحيد هذه الكيانات وتنظيم خلافاتها وجعلها تنفتح على السياقات العالمية والكونية وتتواصل مع الخبرات البشرية المختلفة. ولا شك في أن فرصة تجاوز الاستقطابات والانقسامات الحادة في الخطاب الإسلامي بين أجنحته المختلفة من جهة، وبينه وبين سائر الخطابات المغايرة له، تكمن في انتظامه وارتباطه من جديد بأصوله الكلية المؤسسة في بعدها الإنساني والكوني وليس بحسب فهمه الضيق لها. وبتعبير آخر ارتباط الخطاب الإسلامي بمنهج هذه الأصول ومقتضياتها وليس برغباته وميولاته. ذلك أن هذه الأصول في بعدها التوحيدي المعرفي خصوصاً، تؤسس في هذا الخطاب ذاته المستقلة التي لا ترتهن لماض غابر ولا حاضر مغاير. وفي الوقت نفسه منفتحة متكاملة مع غيرها، منخرطة في ساحات التدافع والتعارف الكوني تسديداً وترشيداً، بما تمتلك من مقومات البناء الحضاري ومنظومات القيم والتربية والسلوك. إن درجة التراجع والنكوص واضحة وجلية في الخطاب الإسلامي والعربي المعاصر منذ ما يسمى بعصر النهضة العربي، حيث كانت أطروحات الإصلاح، والنهضة والتقدم والوحدة، والتحرير، والتغيير، والاستفادة من الآخر.. هي المهيمنة، كمشاريع للنظر والعمل، وكأسئلة يبحث لها عن إجابات ومضامين، إلى واقع آخر غلب عليه البحث عن الشرعية أكثر من المشروع، وعن التجزئة أكثر من الوحدة وعن الذاتية الخاصة الضيقة أكثر من ذاتية الأمة تحرراً ونهوضاً وتقدماً. ولا شك أن تجاوز هذا الواقع هو بالرجوع إلى الأسئلة الكبرى لمشاريع الأمة وليس الأفراد والجماعات، أو بتعبير أوضح مشاريع الأفراد والمؤسسات التي تؤمن بكيان الأمة منطلقاً وتصوراً وإنجازاً، فذلك وحده ما يجعلها قادرة على الرقي بخطابها والتواصل مع غيرها. مع التأكيد على أن التواصل مع الغير لا يمكن أن يكون المدخل إليه هو المدخل الخلافي، وإنما المدخل الائتلافي. فدائرة المشترك على كل المستويات مقدمة على غيرها في هذا الباب، وهي كثيرة جداً قد تغني عن البحث الخلافي، وإن كان لا بد من هذا الأخير ففي سياق تعميق الائتلاف والتواصل لا الاختلاف والتفاصل.