لن ينسى العرب والمصريون أنه عندما جاءت ساعة الصفر وانطلقت المدافع المصرية يوم 6 أكتوبر 1973 لتحريك الجمود السياسي الذي فرضته إسرائيل على محاولات السلام، سارع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى دعم الجيش والشعب في مصر بتحويل مئة مليون دولار إلى الخزينة المصرية في نفس اليوم. لقد سجل هذا الأمر للتاريخ الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس هيئة الأركان المصرية، في مذكراته عن حرب أكتوبر، وهو بذل وعطاء ما زال المعاصرون للحرب يتذكرونهما بافتخار، لتجسيدهما روح النصر ووحدة الصف وقوة الوشائج بين شعبي مصر والإمارات. كان هدف زايد في يوم النصر تعزيز قدرة مصر على مواجهة الأعباء المترتبة على خوض القتال، ولم تكن هذه المساهمة الأولى ولا الأخيرة، فقد سبقها الكثير خلال التحضير للمعركة الهادفة إلى فتح الطريق نحو السلام العادل والشامل، وتلاها أيضاً الكثير من الدعم بكل الصور. لقد حرص الشيخ زايد على تعزيز القدرات العسكرية والخدمية للجيش المصري بالمساهمة في سد فجوات التسليح السوفييتي، كما حرص على سد الفجوة في سلاح الخدمات الطبية، وذلك بتوفير المستشفيات الميدانية اللازمة لتقديم العلاج الميداني العاجل للجرحى أثناء المعركة، وكانت تعليماته بحجز كل ما تنتجه المصانع الأوروبية من مستشفيات متنقلة وتحويلها إلى الجيش المصري نموذجاً للبسالة العربية. بعد يوم النصر أيضاً أعطى الشيخ زايد الكثير لأمته، سواء من خلال الإمدادات أو عبر وقفته الشامخة في الضغط على الدول التي أيدت إسرائيل في الحرب بسلاح النفط. كان الشيخ زايد والرئيس السادات، ومعهما الأشقاء من القادة العرب، يدركون طبيعة الموقف الدولي الذي لم يكن ليهتم آنذاك بفرض العملية السياسية السلمية على إسرائيل، طالما لزمت الدول العربية السكون ورضخت للموقف الميداني العسكري الذي كان الجيش الإسرائيلي فيه منتصراً وكانت الجيوش العربية فيه مهزومة. لقد أرسل الرئيس السادات حافظ إسماعيل، مستشاره للأمن القومي، عدة مرات إلى واشنطن لمقابلة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي للمطالبة بدور أميركي فعال في فتح العملية السياسية بين العرب وإسرائيل، لكنه عاد أخيراً ليبلغه بأن كيسنجر قال له نحن لا نستطيع تحريك عملية السلام وفرضها على إسرائيل، بينما جيشها هو المنتصر وجيوشكم مهزومة. إنني أستدعي هذه الفقرة من التاريخ لأدلل على أن هدف الحرب المظفرة في أكتوبر لم يكن الحرب للحرب، ولكن كان الحرب من أجل فتح الطريق للسلام. من المهم في تقديري ألا يتوقف استرجاعنا للتاريخ منذ 44 عاماً على قوة العزيمة وروح التحدي والحرب والانتصار العسكري في العبور وتدمير خط بارليف على امتداد قناة السويس، بل يجب أن يمتد الحديث أيضاً، ونحن نستعيد أدوار قادتنا العظام، إلى هدف الحرب وهو تحرير الأرض المحتلة بمزيج من الانتصار العسكري والجهود السياسية. لقد أصبحت أمتنا على درجة من الوعي الذي يجعل من المراجعة لتاريخ الانتصار العسكري فرصة لمراجعة النتائج السياسية التي ترتبت عليه أيضاً، وأصبح المثقفون العرب يدركون أن الحرب هي امتداد للسياسة وأن القتال هو إحدى الأدوات لتحقيق الأهداف السياسية، وهو هنا تحرير الأرض من خلال مشروع للسلام الشامل والعادل. لقد نجحنا في غضون ست سنوات من الحرب في تحرير سيناء عندما وقع الرئيس السادات معاهدة السلام في حديقة البيت الأبيض مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين والرئيس الأميركي جيمى كارتر في مارس 1979. لقد حاول الرئيس المصري دعوة الأشقاء الفلسطينيين والسوريين إلى عملية السلام في مؤتمر مينا هاوس بالقاهرة غير أنهم رفضوا وكان لهم تقدير آخر. ومع الوقت تغير هذا التقدير السياسي وشهدنا عملية أوسلو عام 1993 التي ترتبت عليها إقامة السلطة الفلسطينية تمهيداً لمفاوضات الحل النهائي، وأيضاً شهدنا المفاوضات المباشرة بين عرفات وباراك تحت بيل كلنتون، وشهدنا أيضاً المفاوضات غير المباشرة برعاية أميركية بين سوريا وإسرائيل حول الجولان. في عام 2002 شهدنا إطلاق مبادرة السلام العربية في قمة بيروت لإقرار سلام عادل وشامل، ومر على هذا الإطلاق المعبِّر عن إرادة السلام العربية الموحدة 15 عاماً من التعنت الإسرائيلي. إن ما نشهده هذه الأيام بعد 44 عاماً على النصر العسكري يشير إلى فرصة جديدة مع ظهور الرئيس الأميركي ترامب ويفتح الطريق لأمل جديد، فالحديث يدور حول التحضير للمبادرة السياسية التي أعلن عنها ترامب تحت اسم صفقة القرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين.