تدرس إدارة الرئيس دونالد ترامب حالياً إمكانية تعزيز وتوسيع قدرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الـ«سي آي إيه»، على استخدام الطائرات من دون طيار «الدرونز» في مناطق الحروب وخارجها. ويأتي هذا في أعقاب قرار سابق بإعادة صياغة سياسات محاربة الإرهاب وإعادة إتاحة خيار تنفيذ ضربات بوساطة «الدرونز» لـ«سي آي إيه». وكان ترامب قد نحى جانباً ما يسمى «كتاب قواعد وتكتيكات الدرونز» الذي كان معتمداً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والمعروف بـ«دليل السياسات الرئاسية»، الذي كانت الإدارة السابقة تأمل أن يحكم قرارات الرؤساء المقبلين. وسيطرة الـ«سي آي إيه» على البرنامج يعني أنه سيظل سرياً ولا يمكن مناقشته، ولا حتى الاعتراف به، من قبل المسؤولين في الحكومة الأميركية. وهذا ما يثير قلق المعنيين بتعزيز قدرة المواطنين الأميركيين على مراقبة حكومتهم، وبشكل عام، على منع تجاوزاتها الممكنة في استخدام السلطة، التي قد تهدد حقوق الناس في مجتمعات أخرى. غير أن ثمة أسباباً أخرى للقلق. ذلك أن التقارير تفيد بأن إدارة ترامب تبحث إمكانية إدخال تعديلات أخرى على سياسة «الدرونز» أيضاً، ومن ذلك تخفيف المعيار الحالي لحالة «شبه اليقين»، الذي يهدف إلى حماية المدنيين خارج مناطق الحروب. غير أن هذه الخطوة ستعني، على الأرجح، مزيداً من الضربات ومزيداً من الوفيات بين المدنيين الأبرياء، وهو ما يثير قلق المعنيين بحقوق الإنسان. وفضلاً عن ذلك، فإن سياسة «الدرونز» الحكومة تثير عدداً من الإشكالات الأخلاقية والعملية، كما أن الجدل مستمر أيضاً حول ما إن كان البرنامج ينتهك القانون الدولي. ومن بين القضايا المهمة في هذا الباب مسألة ما إن كان قانون النزاع المسلح، الذي يُعد أقل تقييداً للحكومات بخصوص استخدام القوة المميتة، ينطبق على المناطق التي لا تعتبر مناطق حرب رسمياً. فالمؤيدون لاستخدام «الدونز» يحاججون بأن قانون النزاع المسلح ينطبق على هذه الحالة، في حين يتبنى المعارضون الموقف المعاكس. وقد وقفت إدارة أوباما، والآن إدارة ترامب، في صف المؤيدين معتبرةً أن ضربات «الدرونز» عالية الدقة في استهداف الأهداف العسكرية. ولكن هل هي دقيقة حقاً؟ الواقع أن الأمر، في أفضل الأحوال، غير واضح. ففي يونيو 2016، وبعد سنوات من رفضها الحديث حول إصابات «الدرونز»، نشرت إدارة أوباما معلومات حول وفيات المقاتلين وغير المقاتلين خارج مناطق الحروب الرسمية خلال الفترة ما بين يناير 2009 وديسمبر 2015. ووفق حساباتها، فإن ما بين 2372 و2581 مقاتلاً قد قُتلوا في الضربات، في حين قُتل ما بين 64 و116 غير مقاتل. ولكن هذه الأرقام قوبلت بالكثير من التشكك. وتضع التقديرات البديلة حصيلة القتلى المدنيين عند عدد أكبر بكثير، مما يطعن في دقة هذه الضربات «الجراحية». ولكن، هل تزيد «الدرونز» من أمان المواطنين الأميركيين حقاً من خلال قتل الأعداء؟ الجواب على هذا السؤال ليس واضحاً مثلما قد يبدو للوهلة الأولى. ذلك أنه حتى في الأماكن حيث يكون استخدام «الدرونز» ناجحاً وفعالاً في مراقبة وقتل الأهداف المحدَّدة من قبل الحكومة الأميركية، فإنه يساهم أيضاً في شعور واسع بالرعب بين السكان بشكل عام. ومن بين التأثيرات الممكنة لهذا الرعب الذي تخلقه «الدرونز» خلقُ جيلٍ جديد من الأعداء الذين قد يستهدفون المواطنين الأميركيين. وهذه التأثيرات الثانوية الناجمة ضربات «الدرونز» قلما تناقَش من قبل صناعِ السياسات، حتى لا نقول إنها لا تناقَش أبداً، وذلك لأنهم لا يفكرون في الكيفية التي يُنظر بها إلى «الدرونز» من قبل من يعيشون في المناطق التي تستهدفها ضرباتها. والحال أن ما يعتبره صناعُ السياسات الأميركيون قتالاً نبيلاً ضد الإرهاب قد يُنظر إليه من قبل من يعيشون في المناطق المستهدَفة باعتباره تدخلًا من قبل معتدٍ خارجي غاشم. والنتيجة مشاعر استياء عارمة -حتى لا نقول كراهية- تجاه أميركا، الممثَّلة بـ«الدرونز». وبشكل عام، يمكن القول إنه لم يتغير الكثير في عهد دونالد ترامب، حيث واصل برنامجَ «الدرونز» غير المقيد عموماً الذي بدأه رؤساء سابقون. غير أن تجديد الرئيس ترامب التزامه باستخدام «الدرونز» باعتباره خاصية مركزية من السياسة الخارجية الأميركية يتيح فرصة لمراجعة هذه القضايا والتفكير فيها في ضوء القيم الأميركية -بما في ذلك احترام أرواح وملكيات، ليس المواطنين الأميركيين فحسب، ولكن أيضاً المدنيين الأبرياء الآخرين حول العالم. وخلاصة القول إن تجاهل هذه القيم باسم محاربة الإرهاب لا يعمل إلا على زيادة وتقوية خطر أن تصبح الولايات المتحدة الشيءَ نفسه الذين تزعم أنها تحاربه! كريستوفر كويْن وآبي هال: محللان سياسان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»