لدى النظام الإيراني، لا شرف ولا ذمة في السياسة، وإنما عتمة وظلمة، واختلاق للأزمات والنكبات واستثمار لها بقدر المستطاع، وهذا ما لا يفهمه النظام القطري المتحذلق الذي وصف ذلك النظام بالدولة «الشريفة»، ففي السياسة الإيرانية لا اكتراث بإنسانية الشعوب، وإنما الأهم هو تحقيق الغايات السيئة والأهداف المقيتة المبيتة، واللعب على الحبال والعزف على أوتار جميع الأطراف المتخاصمة وزيادة المشاحنة فيما بينها، وتحريضها بعضها ضد بعض ودفعها لمزيد من الانشطار والاحتراب والانقسام والخصام، ففي جميع حالاتها ومواقفها لم تصْدق إيران في سياستها الخارجية، ولم تكن يوماً محبة للسلام والوئام والانسجام والتعايش والتعاون بين الناس، والتاريخ خير شاهد على سلوكها وممارستها الانتهازية، ففي القضية الفلسطينية، على سبيل المثال لا الحصر، كان حظ فلسطين من الإيرانيين مجرد تكرار واجترار الشعارات الرنانة والأوهام الطنانة، وفي الوقت ذاته تجد أياديها الخفية، ومن تحت الطاولة، مع الإسرائيليين في همِّهم وفكرهم في القضاء على العرب ووحدتهم وتفريق شملهم، وإضعاف شوكتهم والتكالب عليهم، فلم يصل الفلسطينيين من تلك الوعود والجعجعة الفارغة شيء، وإنما فاقمت صراعهم وتناحرهم، وغذت الضغائن بينهم، وهذه هي الحصيلة الوحيدة من المتاجرة الإيرانية بالقضية الفلسطينية، ودق إسفين بين أبناء الشعب الواحد لتحقيق أعلى أشكال الخصومة بينهم، لتكون لديها أيدٍ وأذرع تمارس بها إرهابها وتخوض بها حروب وكالتها على الشعب الفلسطيني نفسه ومصالحه، في النهاية، ومثل هذا الأمر ليس ببعيد أيضاً عن الأزمة القطرية التي لعب فيها النظام القطري دوراً ركيكاً لصالح النظام الإيراني طيلة الفترة الماضية، وقد استمرأ القيام بمهام العميل «المندس» في المنظومة الخليجية وفي التحالف العربي. وتتضح الصورة بشكل آخر، أكبر وأخطر، في سعي طهران المكشوف في إطالة أمد الأزمة ودعمها لتعنت قطر اعتقاداً منها بأن ذلك يمكن أن يؤثر سلباً على إرادة التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد الإرهاب في المنطقة، أو بأقل تقدير التشويش على الانتصارات التي تحققت في اليمن، أو التقليل من عمل التحالف الساعي للقضاء على الإرهاب الإقليمي الذي ظل يدعم ويمول من قبل طهران. إن الدور الإيراني في افتعال هذه الأزمة والدفع بالنظام القطري في أتونها، واضح وضوح الشمس، فالشرارة الأولى التي انطلقت بالتصريحات التي وصفها تنظيم «الحمدين» بـ«المفبركة» كانت تمسحاً بعتبات النظام الإيراني، وإلى يومنا هذا ما زال النفَس الإيراني يعج في حديث النظام القطري وتصرفاته وطريقة تعاطيه مع الأزمة، وليس مستبعداً أن يكون النظام القطري قد افتعل هذه الأزمة ولعب فيها دور الكومبارس، أو دُمى مسرح العرائس، وكالة ونيابة عن النظام الإيراني على أمل عرقلة أو التسبب في تراجع في الطريق الذي يسير عليه التحالف العربي لخلط الأوراق، والدخول بحلة جديدة وأزمة طويلة تمتص خيرات الشعوب وتؤخر تنميتها وتطورها، وكعادة إيران فلم تجد سبيلاً لاستعطاف العالم الإسلامي وإقناعه بضرورة تأييدها في مواصلة مشوراها النووي الذي خرج عن المسار، وجعل الإدارة الأميركية تسعى لإعادة مناقشة بنود الاتفاقية وإضافة بعض الشروط عليها لضبط السياسة العوجاء والخروق الإيرانية الهوجاء لمقررات الشرعية الدولية، فلم تجد إيران إلا محاولة المتاجرة بورقة «الروهينجا»، ففي الوقت التي تدعو العالم الإسلامي للتحرك لوقف مأساة مسلمي ميانمار تجد بصماتها واضحة مع الطرف الآخر الذي يدعو لطرد وتشريد الروهنيجا وتعذيبهم تحت مسميات وأقنعة أخرى وبصور مختلفة، ويصل النفاق السياسي والتناقض الذروة لدى بعض من يزعمون في طهران مناصرة مسلمي الروهينجا في ميانمار، في حين يمارسون هم ما هو أسوأ طائفياً وعرقياً بحق «روهينجا إيران» نفسها، من أقليات مذهبية وعرقية كثيرة مقموعة، ومحرومة من أبسط الحقوق. وهذه هي السياسة الإيرانية «الشريفة» التي لا يوجد معنى للشرف في تعاملاتها وأدوارها طيلة العقود الثلاثة الماضية، ولن تتحقق الأمن والاستقرار في المنطقة إلا بعد أن يتم عزل النظام الإيراني وإيقاف شهوته التوسعية في المنطقة.