من المتعارف عليه منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 أن بناء الدولة وتطوير البنية التحتية في العديد من القطاعات الحيوية وتنمية المجالات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب الاستعانة بملايين الأشخاص من مختلف جنسيات العالم. وفي الوقت نفسه فإن تخطيط القيادة الحكيمة للانتقال باقتصاد الدولة إلى مرتبة "أفضل اقتصاد في العالم" ضمن مسيرة تحقيق "مئوية الإمارات 2071" سيتطلب الاستثمار الأمثل في الموارد البشرية الوطنية والأجنبية على حد سواء. وذلك يعني بلا ريب بذل المزيد من الجهد والتخطيط السليم من الجهات المعنية للارتقاء بأوضاع سوق العمل في الدولة بما يضمن تحقيق ثلاثة أهداف مهمة. الأول هو نجاح الدولة في تخطيطها ورؤيتها الشاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها؛ والثاني مساعدة المواطنين على إقامة المشاريع التي تحقق رؤية الدولة؛ والهدف الثالث هو تسهيل توافد العمالة الأجنبية للمشاركة في تنفيذ المشاريع التنموية وذلك على أسس تشريعية وقانونية سليمة وشاملة. وبطبيعة الحال فإن تلك الجهود لن تسلم من سهام وأهواء من لهم صلات بما تسمى "منظمات حقوق الإنسان" والذين لا يبخلون في كل وقت بانتقاد الدولة وجهودها في تنظيم سوق العمل إذ أن الشغل الشاغل لهم هو إقامة سوق عمل لا يراعي في الغالبية العظمى من مجالاته الهوية الوطنية أو الخصوصية الدينية والثقافية والاجتماعية. والمتابع لسوق العمل في الدولة وما يتعلق به من تشريعات ولوائح وإجراءات لا يصعب عليه ملاحظة حجم التطور والتغيير الذي يحدث من إنشاء الدولة حتى الآن. فوزارة الموارد البشرية والتوطين تبذل جهداً لإحداث نوع من التوازن في العلاقة بين صاحب العمل والعمال أو الموظفين في إطار تشريعي وقانوني يراعي عدة أمور مهمة أولها ما يتعلق بالدولة من خصوصية وثقافة ودين وعادات وتقاليد، وثانيها متطلبات النهضة والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وثالثها ظروف وأوضاع بيئة العمل، ورابعها القرارات الدولية من منظمة العمل الدولية وغيرها فيما يتعلق بتسهيل تنقل العمالة ودخول العمال لأسواق العمل المختلفة في العالم، وخامسها عدم إرهاق المواطنين، سواء العاملين أو أصحاب الأعمال، بأمور وإجراءات تفوق قدرتهم وطاقتهم المالية والتعامل بمرونة كبيرة معهم. وفي هذا الإطار تعمل الوزارة على إحداث تغيير جذري في مفهوم العلاقة بينها وبين العامل وصاحب العمل من خلال الخدمات التي تقدمها للطرفين. ومن أبرز أمثلة ذلك التحول الاستراتيجي بالمكاتب التي تم إنشاؤها تحت مسمى "تسهيل". وفي الوقت نفسه تخطط الوزارة لإطلاق العديد من المكاتب الأخرى التي تركز على تقديم خدمات أخرى للمواطن والمقيم بأسلوب سهل ومبسط. ومن ضمن تلك المكاتب ما تسمى (تدبير) وهي ستقوم بتنظيم العلاقة بين المواطن والمكفول في المنزل ضمن قطاع العمالة المساندة إذ سيتم توفير ثلاثة أنواع من التعاقد مما سيوفر العديد من الخيارات أمام المواطن وبرأيي سوف تحدث تلك الإجراءات الجديدة "ثورة" في قطاع العمالة المساندة مما سينعكس بآثار إيجابية كبيرة على راحة المواطن في المنزل. إضافة إلى مكاتب ستقوم بتدريب وتثقيف العمالة الوافدة والمقيمة أيضاً تحت مسمى (توجيه) وأخرى ستتولى ضبط علاقات العمل بين الكفيل والمكفول في حال نشوب خلاف بينهما، إضافة إلى مكاتب ستنفذ مهام غاية في الأهمية في قطاع التفتيش العمالي. وفي اعتقادي أن الوزارة ستقوم أيضاً بتسهيل عملية "التوطين" في القطاع الخاص تحقيقاً لجزء حيوي من مهامها من خلال إنشاء مكاتب أو طرح خدمات متميزة للمواطنين الراغبين في العمل. إن كافة تلك الإجراءات تأتي منسجمة مع هوية وخصوصية المجتمع الإماراتي ومتوافقة قدر الإمكان مع المتطلبات الدولية، ولمواجهة الانتقادات المزعومة لأوضاع العمالة في الدولة، ولتضعنا بلا ريب في موقع الريادة في تنظيم سوق العمل.