الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، إلى الهند، والتي استمرت 3 أيام، هي الأولى التي يقوم بها مسؤول أميركي بارز في إدارة ترامب إلى نيودلهي. وكان الهدف الأساسي منها وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة والهند، وتعزيز التعاون بين البلدين من أجل معالجة التطورات التي تشهدها أفغانستان، وعلى الرغم من عدم صدور بيانات رسمية عن فحوى ما دار في هذه الزيارة عقب انتهائها، فإن من المعروف أن «ماتيس» قاد سلسلة من المحادثات الشاملة مع وزيرة الدفاع الهندية المعيّنة حديثاً «السيدة نيرمالا سيتارامان»، تهدف إلى تعميق التعاون بين البلدين في المجالات العسكرية البحرية في منطقة المحيط الهندي- الهادي فضلاً عن تعزيز دور الهند في معالجة أوضاع أفغانستان بالعمل على ضرب الملاذات الآمنة للإرهاب في ذلك البلد. ومنذ وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، فلقد كان حريصاً على حثّ الهند على بذل جهد أكبر للمساهمة في تصحيح الأوضاع في أفغانستان خلافاً لما كان عليه الحال في عهد إدارة أوباما التي كانت تتجنب إقحام الهند في هذه القضية خوفاً من إغضاب باكستان. وعلى الرغم من أن أوباما شجع نيودلهي على دعم كابول اقتصادياً، فلقد كان يحرص دائماً على نصحها بعدم تقديم أي نوع من المساعدات العسكرية لها، إلا أن الإدارة الأميركية الجديدة، فضلاً عن موافقتها للهند على تقديم المساعدة الاقتصادية لأفغانستان، فلقد دعت إسلام آباد أيضاً للتصدي بكل قوة للجماعات المسلحة التي اعتادت تنفيذ هجمات إرهابية انطلاقاً من أوكارها البعيدة عن الأنظار في المناطق الباكستانية النائية، وطالبت الهند أيضاً بالمساعدة على تحقيق هذه المهمة. ولقد بادرت الهند بالفعل إلى إنفاق أكثر من 3 مليارات دولار في تنفيذ مشاريع تشييد البنى التحتية المدنيّة في أفغانستان التي تتنوع بين إنشاء مقر جديد للبرلمان وحتى المشاريع الصغيرة مثل بناء الطرق والمدارس، وهي المشاريع التي لاقت رضا واستحسان السكان المحليين، وبادرت الهند أيضاً لبناء «سد سلمى» في إقليم «هيرات» الأفغاني، والذي يُعد أحد أضخم مشاريع البنى التحتية، والذي يعرف أيضاً باسم «سد الصداقة الهندية- الأفغانية». وخلال السنتين الماضيتين، توقفت الهند عن تنفيذ المشاريع الجديدة في أفغانستان بسبب الأوضاع السياسية المضطربة فيها، وأيضاً بسبب الشك القائم حول حقيقة نوايا الأميركيين وقوات التحالف الغربي للانسحاب من هذا البلد، وعلى الرغم من أن «ماتيس» طلب من الهند أن تتدخل عسكرياً بشكل فعال لمساعدة أفغانستان على تعزيز أمنها الوطني، فإن نيودلهي رفضت فكرة إرسال جنودها إلى هناك. وكان ردّ الجانب الهندي حاسماً من أنه لن يرسل جنوده إلى أفغانستان ما لم يتم التأسيس لعلاقات تعاون قوية بين البلدين حول معالجة الأوضاع في أفغانستان بما فيها تبادل المعلومات الاستخباراتية. وبالتزامن مع زيارة «ماتيس» للهند، كان الرئيس التنفيذي لأفغانستان عبد الله عبد الله، يقوم بزيارة لنيودلهي تباحث خلالها مع القيادات الهندية حول قضية «قطع الطريق أمام الإرهاب». وفيما أكد على أن تنظيم «طالبان» المسلح في أفغانستان لا يزال يتلقى الدعم من بعض المؤسسات الباكستانية لتنفيذ نشاطات تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، فلقد حذّر أيضاً من أن هذه القضية تشكل تهديداً لأمن منطقة جنوب آسيا كلها. ويُعرف عن عبد الله عبد الله الذي سبق له أن شغل منصب وزير خارجية أفغانستان (2001 – 2005)، انتقاداته لسياسة باكستان وجيشها ووكالاتها الاستخباراتية واتهم إسلام آباد ذات مرة بأنها تحمي المتمردين الأفغان. وكانت المحادثات المتعلقة بالتعاون على حل المشكلات الراهنة في أفغانستان جزءاً من التطور الذي تشهده العلاقات التي تزداد قوة بين الولايات المتحدة وأفغانستان والهند، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة، لا تُعدّ حتى الآن دولة حليفة للهند بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فإن التقارب بين الدولتين يزداد تجذّراً على خلفية بروز دور الصين، فضلاً عن أنهما تتطلعان للعمل المشترك في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي، كما أن العلاقات الدفاعية لا تمثل إلا أحد أوجه التعاون بينهما وخاصة لأن الهند هي أكبر مشترٍ للسلاح في العالم والأكثر سعياً لتنويع مصادر أسلحتها بعد أن كانت في الماضي تقصر مشترياتها من الأسلحة على روسيا وحدها، واليوم أصبحت تنفق مليارات الدولارات على شراء التجهيزات الدفاعية من الولايات المتحدة أيضاً، كما أن الطرفين قررا تنظيم مناورات عسكرية مشتركة بأكثر مما كان يحدث في السابق، وفي هذا السياق، أوضح «ماتيس» أن توسيع آفاق التعاون العسكري مع الهند أصبح يشكل «أولوية» بالنسبة للولايات المتحدة، ووصف الشراكة الدفاعية بين البلدين بأنها تشكل «الأعمدة الاستراتيجية الأكثر أهمية» التي تتطلع الولايات المتحدة إلى تدعيمها، ووعد «بمشاركة الهند ببعض أحدث التكنولوجيات الدفاعية الأميركية وأكثرها تطوراً»، ومنذ زمن بعيد، كانت نيودلهي تطالب واشنطن بمشاركتها بأسرار التكنولوجيات الحساسة وأساليب تصنيع الطائرات النفاثة المقاتلة الأميركية، ولا شك بأن زيارة «ماتيس» للهند سوف تعزز العلاقات الدفاعية بين البلدين في عهد الإدارة الجديدة للبيت الأبيض. د. ذِكْر الرحمن* *مدير مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي