هناك أسباب وجيهة من أجلها دعمت آلة الدعاية الروسية استفتاء كتالونيا الذي أجري يوم الأحد الماضي، وأسباب وجيهة أخرى جعلت وزارة الخارجية الأوكرانية تصفه بأنه «غير مشروع». والوضع الكتالوني قد يدفع إلى إجراء مقارنات مع ما حدث في القرم عام 2014. ولمناقشة المقارنات دعونا نستبعد أولاً عدم التشابه الصارخ. فقد قيل إن منطقة شبه جزيرة القرم، في مارس عام 2014، كانت تعج بالقوات الروسية سواء بالزي الرسمي أو المدني. وبعد أيام من إسقاط المحتجين في أوكرانيا لحكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش استولى «الرجال الخضر الصغار» الروس، كما كان يطلق على الجنود بغير الزي الرسمي للجيش الروسي، على برلمان القرم المحلي، ونصبوا السياسي المحلي المؤيد لروسيا سيرجي أكسيونوف رئيساً لوزراء المنطقة. ولعل هذا هو الاختلاف الأوضح عن حالة كتالونيا. وقد احتجت أوكرانيا بأن استفتاء 16 مارس، الذي اختارت فيه منطقة القرم الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، أجري تحت تهديد السلاح. ولكن هذا ليس صحيحاً. فلم يكن «الرجال الخضر الصغار»، ولا الجنود بالزي الرسمي الروسي، حاضرين في مراكز الاقتراع أثناء التصويت. ولم يكن هناك ضغط مسلح على سكان القرم، ولا حتى على التتاريين من السكان الأصليين للقرم الذين لم يؤيدوا الانفصال، وامتنع أغلبهم عن المشاركة في الاقتراع. ولكن حضور القوات الروسية ربما لعب دوراً لاحقاً، وليس هذا هو ما جعل الاستفتاء غير مشروع. ومنطقة القرم الفقيرة لم تصبح جزءاً من أوكرانيا إلا منذ عام 1952، بينما منطقة كتالونيا الغنية جزء من إسبانيا منذ قرون. والدستور الأوكراني مثل الدستور الإسباني لا يتيح بالانفصال. ونظام الدولتين ليس من النوع الذي يسمح بحق تقرير المصير للكيانات المؤلفة له، مثلما كان الحال مثلاً مع تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي السابق. وقد منعت الحكومة الأوكرانية إمكانية الدخول إلى سجلات الناخبين عن حكومة أكسيونوف الانفصالية. ولذا فقد استخدمت الحكومة الانفصالية أي سجلات قديمة أو غير كاملة متوافرة لديها. وإذا كان اسم الشخص غير مدرج في القائمة، كان القائمون على الاقتراع يكتبون ببساطة اسم هذا الشخص ويعطونه ورقة اقتراع. وهذا ربما سمح لبعض الناخبين المتحمّسين بأن يدلوا بأصواتهم عدة مرات. والحكومة الإسبانية منعت أيضاً عن الكتالونيين إمكانية الحصول على سجلات الناخبين. ولذا فقد دعا المسؤولون الانفصاليون في كتالونيا الناخبين إلى طبع أوراق الاقتراع في المنزل وإلقائها في أي صندوق اقتراع. كما وُزعت أوراق الاقتراع أيضاً في اجتماعات حاشدة قبل الاستفتاء. وفي القرم، أيد 95.6% من المشاركين في الاقتراع الانضمام إلى روسيا. وفي كتالونيا، أيد 90% من المشاركين في الاستفتاء الانفصال عن إسبانيا بحسب ما أعلنته السلطات المحلية. وتجاوزت نسبة المشاركة الرسمية في الاستفتاء في أوكرانيا 83% بينما بلغت في كتالونيا نحو نصف هذه النسبة. ولكن هذه الأرقام في الجانبين تبقى محل شك ما دامت لا توجد وسيلة للتأكد من سلامة عملية الاقتراع نفسها. وبينما كان يجري الاقتراع، أجازت السلطات الانفصالية المحلية في القرم بالفعل «إعلان استقلال». وفي كتالونيا، كانت حكومة «كارليس بيغديمونت» تعرف النتائج سلفاً. وهي تعتزم إعلان الانفصال في الأيام القليلة المقبلة. ولعل هذا هو أهم وجه شبه بين الاقتراعين. فلا يهم لدى منظمي الاقتراعين مدى تأييد الرأي العام حقاً. بل لديهم هدف وأي طريقة قد تساعدهم في إنجازه فهي محل ترحيب. والاختلاف الرئيسي بين إسبانيا 2017 وأوكرانيا 2014 بالطبع هو أن قوة الحكومة الأوكرانية لم تسمح لها بفرض قوانينها في القرم. والأحداث التي تلت ذلك في شرق أوكرانيا -حين حاولت كييف بالفعل الاستيلاء على الأقاليم الانفصالية بالقوة- أكدت أنها كانت ستفشل في منع الانفصال. ولكن في إسبانيا، يشرف رئيس الوزراء ماريانو راخوي على حكومة أقلية، ولكنها ليست حكومة تسيير أعمال تم تأليفها كيفما اتفق، كما أن البلاد ليست أيضاً ضعيفة ومنهكة. والحكومة الإسبانية تسيطر على أجهزتها التنفيذية والجيش ويدعمها في موقفها من كتالونيا كبار الخصوم السياسيين وملك إسبانيا. والحكومة قوية بما يكفي لتتعقب زعماء الانفصال إذا مضوا قدماً في إعلانه. وهي قوية أيضاً بما يكفي لترفض الوساطة الدولية لأن قبولها سيكون خطأ واعترافاً بالضعف أمام خصوم ضعفاء. وأوكرانيا تريد استعادة القرم وبعض العالم يقر بحقها في استعادتها. وإسبانيا لن تسمح لكتالونيا بالانفصال في سلام للسبب نفسه، لأنه لا يوجد دعم دولي للانفصال بناء على «استفتاء». وهنا يأتي دور الحضور الروسي في القرم الذي جعل الانفصال ممكناً. فالتهديد باستخدام القوة، وليس الاستفتاء، هو ما جعل القرم الآن جزءاً من روسيا بحكم الأمر الواقع. و«بيغديمونت» يقف وحيداً دون قوة تستطيع القتال من أجل الانفصال. وحتى لو كان لديه دعم الأغلبية الشعبية فسيخسر المواجهة. وهو في سبيله إلى السقوط، والانفصاليون الكتالونيون سيعودون من حيث أتوا. وعليهم التحلي بالذكاء وتدشين حملة طويلة الأمد لتغيير الدستور الإسباني، وتحويل البلاد إلى كونفيدرالية حتى يمكن في نهاية المطاف مناقشة حق تقرير المصير. ---------------- * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»