لا تحظى كارثة «الاثنين الأسود»، التي وقعت بين الكساد الكبير والأزمة المالية العالمية في عام 2008، بالاهتمام الذي تستحقه. ورغم أن «وول ستريت» عانت من أكبر خسارة في يوم واحد في 19 أكتوبر 1987، فإن كتب التاريخ والمراقبين آنذاك يميلون إلى وصف الانهيار بأنه كان «خاتمة لتجاوزات عصر ريجان». ويميل المشرعون والمستثمرون الباحثون عن سبل لتعزيز الأسواق والحيلولة دون حدوث انهيارات مستقبلية إلى إصلاح العيوب التي ظهرت بسبب الأزمات المالية الحديثة، وهو ما يكشف السبب في وجود قوانين معيبة، مثل قانون «دود –فرانك» الذي يطالب البنوك بإظهار قدرتها على مواجهة أزمات مالية كتلك التي وقعت في 2008. بيد أن تجاهل تلك الأحداث التي وقعت قبل 30 عاماً، والعوامل التي أدت إلى ذلك الانهيار في أسواق المال الأميركية، هو خطأ مروع، حسبما تؤكد المحللة المالية «ديانا هنريكس» في كتابها الجديد «كارثة من الطراز الأول: الطريق إلى الاثنين الأسود.. اليوم الأسوأ في تاريخ وول ستريت». وترى أن تلك الظروف التي سبقت انهيار السوق لا تزال موجودة، وتتمثل في وجود الأدوات المالية الجديدة والمعقدة، والتداولات التي تغذيها التكنولوجيا، وصعود الشركات الاستثمارية القوية، وتناطح الوكالات الحكومية، والإقبال على تخفيف القيود التنظيمية. وأضافت «هنريكس»، التي ألفت أيضاً كتاب «خبير الأكاذيب: بيرني مادوف وضياع الثقة»: «إن طريق الإصلاحات منذ الاثنين الأسود كان يمكن أن تفضي إلى نتيجة مختلفة، بتعزيز الأسواق وتعميقها»، موضحة: «لكن بدلاً من ذلك، قادت إلى الوضع الحالي، المتمثل في سوق عالمية مكونة من ماكينة هشّة مؤلفة من ملايين الأجزاء وقليل من الكوابح للسيطرة عليها». واستنبطت المؤلفة عنوان كتابها من تصريح «جون فيلان»، رئيس مجلس إدارة «بورصة نيويورك» آنذاك، والذي أدلى به لمجلة «دايجست» التي كان يتابعها مجتمع المال والأعمال في مارس 1987. وكان «فيلان» يلاحظ نمواّ في نشاط السوق من حيث حجم التداولات والتذبذب، وشعر بالقلق من استخدام أجهزة الكمبيوتر في التداول بصورة أتوماتيكية. وكان تداول الأسهم يرتكز على قواعد تطورت لتصبح اليوم التداول الخوارزمي وأصبحت التداولات المبرمجة واسعة الانتشار بين المضاربين. وأعرب «فيلان» عن خشيته من أن التداولات المبرمجة يمكن أن تدفع السوق إلى خسارة مئات النقاط، محذراً: «في مرحلة ما سنواجه كارثة من الطراز الأول». وبالطبع، بذلت بورصة نيويورك جهدها لتسهيل التداولات المبرمجة، وسمحت لأعضائها بتقديم طلبات بأحجام تداول كبيرة. وبحلول يوم الأربعاء الرابع عشر من أكتوبر، كانت الساحة ممهدة للانهيار الذي توقعه «فيلان» في مارس. وعندما فتحت الأسواق في يوم «الاثنين الأسود»، أقبل المتداولون على البيع، وأدت إشاعات وقف التداول المؤقت إلى مزيد من التراجع في الأسواق. والتقى «فيلان» بالرؤساء التنفيذيين لأكبر الشركات في وول ستريت، وأشارت التقارير إلى أنهم لم يكونوا يدركون مدى سوء الموقف، رغم تراجع مؤشر «داو جونز» لكبريات الشركات الصناعية 508 نقاط (أو ما يساوي 4000 نقطة بمعايير الوقت الراهن)، أو زهاء 22.6?. وفي اليوم التالي للانهيار، سعى المسؤولون والمنظمون إلى طمأنة المستثمرين، وقال مجلس الاحتياطي الاتحادي إنه سيوفر السيولة، وتعاون مع البنوك للتأكد من أنها ستقرض الأموال للمؤسسات المالية التي تواجه الخسائر وتحتاج إلى الاقتراض. وتحسرت المؤلفة على حالة «اللامبالاة» من قبل الحكومة الأميركية إبان الأزمة، معتبرة أن ضعف الإشراف والتعاون بين الحكومة والقطاع المالي لعب دوراً كبيراً في الأزمة. وقد قضت «هنريكس» وقتاً كبيراً في إجراء الأبحاث والمقابلات من أجل كتابها. وائل بدران الكتاب: كارثة من الطراز الأول المؤلفة: ديانا هنريكس الناشر: هنري هولت تاريخ النشر: 2017