يواجه مشروع تحديث منظومة القوانين في مختلف الدول العربية بما يتلاءم مع قيم العصر ومتطلباته عراقيل متعددة الأشكال، منها العراقيل المتصلة بجانب من الموروث الديني، وأعني بعض الآراء الفقهية التي قيلت في زمن ما، وفي مكان ما، وضمن سياق ما، واستجابة لظرف ما. وتلجأ الحكومات إلى تهيئة الأرضية قبل تحريك جرّارات التحديث، إذ قد يؤدي الاستعجال إلى اضطراب الأوضاع، وبروز المتصيّدين والمتشدّدين على السطح. وبطبيعة الحال إزالة تلك العراقيل مهمة منوطة بالمؤسسات الدينية، عبر تجديد الآراء الفقهية. وهكذا يمرّ التحديث في القوانين رغماً عن المتصيّدين دينياً لأهداف سياسية، ويحظى التحديث بقبول الفئات المحافظة التي تشعر بالهلع من أي تغيير، فالمؤسسة الدينية بكامل ثقلها تدعم التوجهات الجديدة. هذه الاستجابة من المؤسسات الدينية الرسمية تثير أحياناً عاصفة من الانتقادات حولها، بحجة أنها تسير وفق رغبة الحكومات وليس وفق قناعاتها، ويوصف القائمون على هذه المؤسسات بأنهم «علماء بلاط» أو «وعّاظ سلاطين»، الوصف الذي التصق تاريخياً برجال الدين المرتبطين بمؤسسات الحكم. وفي اعتقادي أن رجل الدين لا يصبح عالم بلاط إلا إذا استُخدم في تسميم عقول الناس، أو تخديرهم، أو استغلالهم، لكنه ليس كذلك حين يذلّل العقبات أمام النهوض، ففي أي مجتمع إسلامي محافظ، اليوم، وبالأمس، وغداً، ثمة قطاع عريض من أفراده يعودون لرجل الدين في معرفة الصواب والخطأ، لا إلى ما يقوله العقل، أو المنطق، أو الضرورة، أو الحاجة، أو المصلحة العليا، أو الاعتبارات المختلفة، حتى قيل باللهجة الدارجة «حطها في رأس عالم واخرج منها سالم». لا يختلف دور المؤسسة الدينية الرسمية عن دور أي مؤسسة في أي حكومة، إذ تعمل كلها ضمن أجندات الحكومة وليس وفق قناعات القائمين عليها، فإذا كانت هذه الأجندات في صالح الناس، فالوزير، والمدير، والموظف الصغير، ومعهم المفتي، يؤدون خدمة جليلة للناس، وإذا كانت الأجندات في غير صالح الناس، فلا فرق بين موظفٍ أو مفتٍ. صالح الناس هو المعيار في اعتبار المفتي عالم بلاط أو شخصاً يؤدي عملاً يستحق التقدير، بغض النظر عن رأيه الشخصي في فتواه، سواء أكانت موافقة لقناعاته أو مخالفة لها، وسواء أكانت له آراء سابقة تناقض رأيه الجديد أم لا، فمتى كانت الفتوى في صالح الناس، فثمة من يعمل بالصواب، ومتى كانت الفتوى في الإضرار بالناس، فثمة من يعمل لأجل البلاط. أما التشنيع على المؤسسات الدينية حين تكون على مستوى المسؤولية، وإسقاط اعتبارها، وإظهار القائمين عليها كأنهم دمى، فمن شأنه إفساح الطريق أمام أصحاب الفتاوى المنفلتة من كل قيد أو اعتبار ليقودوا الجموع نحو الهاوية. لا شيء يضاهي الحلوى لدى الطفل، فبقطعة حلوى يهدأ بعد بكاء، ويستجيب بعد عناد، وقد تُفقده حياته، إذ يمكن أن يُستدرج بقطعة حلوى إلى مكان مظلم بعيد عن العيون. والفتوى عند بعض الناس مثل الحلوى، ومنفعة البلاد والعباد هي التي تحدد إن كانت الحلوى لذيذة أو مسمومة.‏?