مثل كثيرين بالملايين، غمرني فرح عميق لقرار المملكة العربية السعودية السماح للمرأة السعودية قيادة السيارة، ليس لأن القرار يهم أهلنا وعمقنا وامتدادنا الطبيعي، بل لأنه قد أعاد حقاً لصاحبه، ظل مُجللاً بالغموض المحيّر على مدى عشرات السنين. كان تغييبه يبعث على شعور لدى المراقب هو مزيج من الحيرة والأسى. إن القرار تاريخيٌ بالمقاييس كافة. هكذا نفهمه نحن الذين نمتهن قراءة الأخبار والأحداث وتلمس آفاقها. أخذ القرار صداه الواسع خليجياً وعربياً، وذلك أمر طبيعي يمكن تفهمه، لكن أن يكون له صداه الواسع على المستوى الدولي فهذا ما يجب التوقف عنده للسؤال لماذا؟ إن السعودية إضافة إلى كونها دولة تحظى بأهمية كبيرة عربياً وإسلامياً، فإن لها مكانتها الاستثنائية في العالم، بل هي تأتي في رأس اهتمام العالم بدليل أن قراراً كهذا يخص الداخل الاجتماعي السعودي، دفع العالم إلى التفاعل معه على نحو إيجابي تعبيراً عن الرضا والتشجيع، الأمر الذي جعل المراقب يفهم أن العالم معنيٌ وفي العمق بما يحدث في الداخل السعودي لما له من انعكاسات شتى على علاقاته بعضها بعضاً وعلى أكثر من مستوى. إن دخول 70 ألف امرأة كل عام إلى سوق العمل السعودي، ليضخ في الدخل العام 90 مليار ريال، أمر له أهميته البالغة لدى الاقتصاديين، خصوصاً إذا ما أضيف إليه مغادرة ما يزيد على مليون سائق خاص أجنبي، مما سيخفض التحويلات المالية الخارجية. هذا كله مفيد ويصب في صالح ربما البنية التحتية الموعودة بالقيام بمواكبة أحداث أكبر وأهم تتضمنها خطة التنمية السعودية. قرار قيادة المرأة السيارة، إضافة إلى توقيته الدقيق، وأهميته البالغة، وعلاقته برؤية 2030، له أبعاد أهمها أنه أتى من رأس الهرم في المؤسسة السياسية (الملك) ثم أحيل إلى المؤسسة الدينية التي كانت على مستوى الحدث من حيث الإفادة أن الأساس في القاعدة الشرعية هو الإباحة مع عدم وجود نص شرعي يحرّم المسألة. ما يهم هنا أن العهد الجديد في المملكة يأتي اليوم ليصنع الفارق: المهم معرفة ما يريده الناس وليس ما يريده بعض الفقهاء، مما ينمي علاقة قوية ومباشرة بين الحاكم وشعبه وليس اقتصارها على مؤسسة بعينها، فحيث حاجة الناس فثمة وجه الله. قد يتحدث المرء كثيراً عن المملكة العربية السعودية، عن نهضتها الحديثة وقراراتها الداخلية والخارجية، ما يمس فيها المجتمع وما يمس العلاقات الدولية، عن تحدياتها الكبيرة الداخلية منها والخليجية، الإقليمية والدولية. حديثٌ قد يأخذ المرء عميقاً وطويلاً ليفضي به إلى ملفات قديمة يُنتظر فتحها، وجديدة جرى وضعها حديثاً من أهمها رؤية 2030 التي بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق يوماً بعد يوم، وتصبح أكثر وضوحاً للجميع، وليصبح تساوق المسارات لتعضيد الرؤية لزاماً في المجالات كافة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، لتوحيد الإيقاع والنبض ووضع الخطط الاستراتيجية التي تُفعل الرؤية وتقترح آليات تنفيذها لتحقق النتائج المنشودة. تبقى المملكة العربية السعودية دولة ذات خصوصية بالنسبة للعرب والمسلمين في كافة أنحاء العالم، وهي من حيث الأهمية دولة فوق عادية، اكتسبت ميزتها من حقائق ثلاث باتت معروفة للجميع: أولاها المكانة الدينية، وثانيها المكانة الاقتصادية، وثالثها موقعها الجغرافي ووزنها على المسرح السياسي الدولي.