أدلى مواطنو كردستان العراق في 25 من سبتمبر المنصرم بأصواتهم في استفتاء محفوف بالمخاطر والمناورات والتهديدات، وقد تم إجراؤه على رغم المعارضة الشديدة التي واجهتها فكرة طرح مشروع الاستفتاء داخلياً وخارجياً وحتى دولياً، ليدخل إقليم كردستان العراق منعطفاً تاريخياً حاسماً في تاريخه بإجرائه. وقال مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان في كلمته علي التليفزيون الكردساني الرسمي: «إن الاستفتاء هو الخطوة الأولى ليعبر إقليم كردستان عن رأيه، ثم تبدأ عملية طويلة، ونتحاور مع بغداد لنكون جارين متفاهمين معاً، والاستفتاء ليس لترسيم الحدود أو فرض الأمر الواقع. نريد التحاور مع بغداد لحل المشاكل، والحوار قد يستمر عاماً أو عامين». ويتطلع الأكراد إلى واشنطن لتقديم المساعدة لهم للخروج من الوضع الحالي، ولكن إدانة الولايات المتحدة الأميركية للاستفتاء الكردي شجعت العراق وتركيا وإيران على معاقبة الأكراد على رغبتهم وتطلعاتهم لإقامة دولتهم القومية. وعلى رغم أن نتائج الاستفتاء ليست ملزمة لا للعراق ولا حتى لإقليم كردستان، إلا أن الأكراد يمكن أن يوظفوه في مفاوضاتهم مع بغداد، لتغيير نظام الحكم في العراق من الفيدرالي إلى الكونفدرالي، بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وفي عام 2005 شهد الأكراد ولادة إقليم كردستان العراق بحكومة مستقلة عن الحكومة المركزية في بغداد وبعلم ودستور ونشيد قومي وبرلمان إضافة إلى قوات مسلحة وشرطة محلية، كما انتخب مسعود برزاني رئيساً للإقليم. وفي عام 2009 بدأ الإقليم في تصدير النفط الخام إلى الخارج بمعدل 90 إلى 100 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 600 ألف برميل يومياً في 2017 مسبباً خلافات حادة مع الحكومة المركزية ومع دول الجوار. ومشروع استفتاء استقلال إقليم كردستان طرح في عام 2014 إلا أن اجتياح «داعش» لبعض القرى الكردية أجل الاستفتاء. وفي حديث رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني مع صحيفة «الحياة» بتاريخ 9 أغسطس الماضي قال: «لسنا من فرّط في وحدة العراق. عدم الالتزام بالدستور والسياسات الخاطئة للحكومة العراقية هي التي استهدفت وحدة العراق»، و«بالعكس، نعتبر استقلال كردستان وسيلة لحل المشاكل والعقبات». ويجادل الأكراد بأن نتائج الاستفتاء تشكل الخطوة الأولى في عملية تفاوضية مع بغداد، أو حتى مع جيرانهم الغاضبين في تركيا وإيران وسوريا حيث الخشية مستمرة من أن تمتد النزعة الانفصالية الكامنة في الأكراد إلى أراضيهم حيث يوجد ملايين الأكراد الحالمين بكردستان الكبرى الذين رحبوا بالاستفتاء، إضافة إلى المخاوف من أن تمتد النزعة الانفصالية إلى المكونات الأخرى الإثنية والعرقية والدينية في دول الجوار، مما سيؤدي إلى تفتت دول لم تنجح في إدماج مكوناتها الوطنية لصياغة هوية وطنية واحدة تتجاوز الإثنيات والديانات كنتيجة مباشرة لسياسات العزلة والإقصاء التي مارستها الحكومات المتعاقبة وبدرجات مختلفة في تلك الدول. وقد تصاعدت لهجة التهديدات بعد الاستفتاء لتتحول إلى إجراءات اتخذها جيران كردستان العراق بدءاً بممارسة الضغوط الاقتصادية، ومن ثم ازدادت عزلة الإقليم مع دخول الحظر الجوي الذي فرضته بغداد وأنقرة على أربيل حيز التنفيذ. إن أمام أكراد العراق خيارات ضئيلة في القدرة على الاستمرار، بعد أن ركزت بغداد وجيران كردستان على أضعف النقاط، ألا وهي الاقتصاد. وفي الحقيقة لا أربيل ولا بغداد يمكنهما المضي إلى خيار التصعيد العسكري، وفي ذات الوقت ظهر جلياً أن العراق وإيران وسوريا تعتمد على تركيا لوقف النزعة الانفصالية لدى الأكراد. إن الشعارات والمبادئ التي يرفعها الراغبون في الانفصال ليست كافية لتحقيق حلم دولة كردستان، فالأكراد وعلى رغم التجاذبات الدولية ليس لديهم دعم دولي يذكر، ويواجهون معارضة كبيرة مما يضع الإقليم في مسار تصادمي مع القوى الإقليمية والدولة العراقية، ويعي الأكراد أنَّ السياسة الواقعية، وليس المثل، هي ما سيحدد نجاح محاولتهم للاستقلال من عدمه. ----------------- * كاتبة إماراتية