كتب وزير الخارجية الأميركي السابق «دين أشتون» مذكرات شهيرة بعنوان «حاضر في الخلق» عن ولادة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نظام أنتجت مؤسساته ستة عقود من الأمن والنمو للعديد من الناس. ونحن الآن نمر بلحظة مماثلة من النمو السريع في الخارج والداخل، ?تستدعي إعادة التفكير في العديد من المؤسسات. وفي رأيي بناء على ذلك، أن أي كتاب يكتب عن واشنطن اليوم، يجب أن يحمل عنوان «غائب في الخلق». ومن المؤكد، أن واحداً من أكثر أعمال الحكم، التي شهدتها خلال حياتي، تهوراً وعبثية، ذلك الذي قامت به هذه الإدارة والحزب الجمهوري عندما حاولا إقحام تغيير على نظام الرعاية الصحية، من دون عقد جلسات استماع مع الخبراء، أو إجراء تحليل مستقل على تكلفة هذا النظام وفوائده، وتهيئة الجمهور لذلك التغيير، وكل هذا من أجل طمس إرث أوباما. لا يمكن وصف الديمقراطيين بأنهم مضخة أفكار جديدة، ولكنهم على أقل تقدير، يحترمون العلم، ولديهم حس مسؤولية، يدفعهم لعدم العبث بالأنظمة الكبيرة، من دون إجراء، ولو قدر يسير، من الدراسة، مثل إلغاء معاهدة باريس المناخية من دون استشارة مع عالم مناخ واحد، ولا اعتراض عضو واحد من أعضاء الحزب الجمهوري الكبار، وهو ما مثل فشلاً ذريعاً. وهذا الفشل ذو أهمية خاصة، لأن «التغير المناخي»، في رأيي هو الإطار التحليلي الصحيح، للتفكير في الكيفية التي يتم بها تشكيل السياسة اليوم. لماذا؟ لأننا، في حقيقة الأمر، نمر بثلاثة تغيرات مناخية في آن واحد: الأول، تغير في المناخ الفعلي، بمعنى أن الحوادث الجوية المدمرة والمعوِقة آخذة في التزايد بشكل مطرد. والثاني، تغير في «مناخ» العولمة. حيث ننتقل من عالم مترابط مع بعضه بعضاً، إلى عالم متكاتف، وننتقل من عالم من الأسوار تبنون ثرواتكم فيه من خلال اكتناز الموارد، إلى عالم من الشبكات تبنون فيه ثرواتكم من خلال امتلاك معظم الصلات، مع مصدر تدفق الأفكار، والشبكات، والمبتكرين، ورواد الأعمال. وفي هذا العامل المتكاتف تقود القدرة على الاتصال إلى الرفاهية، وتقود العزلة إلى الفقر. وعلينا أن نتذكر هنا أننا أصبحنا أغنياء من خلال «أميركا المتصلة» وليس من خلال «أميركا أولاً». والتغير الثالث، والأخير، هو أننا نمر بتغير في «مناخ» التكنولوجيا والعمل. فنحن ننتقل إلى عالم، يمكن فيه لأجهزة الكمبيوتر، واللوغاريتمات تحليل، والكشف عن الأنماط المخفية، كما يمكنها كذلك البحث عن أفضل الحلول (إخبار قائد الطائرة عن الارتفاع الذي يجب أن يصل إليه، من أجل تحقيق أقصى كفاءة في استهلاك الوقود)، والتنبؤ (أي إخباركم متى سيتحطم مصعدكم، أو ما الذي يحتمل أن يشتريه زبائنكم)، والتخصيص (أي تخصيص أي سلعة أو خدمة لكم وحدكم وحسب طلبكم)، وتُرقمن، وتُؤتمت أعدادا متزايدة باستمرار من المنتجات والخدمات. وأي شركة لا تعمل على استخدام العناصر الستة المذكورة ستعاني، لأن استخدام هذه العناصر هو الذي يغير كل وظيفة، وكل صناعة. فما الذي نريده عندما يتغير المناخ؟ نريد ما يلي: التكيف، بحيث يمكنكم أنتم -المواطنين- أن تحصلوا على أفضل فائدة ممكنة من هذه التغيرات المناخية، وتتجنبوا أسوأ ما يمكن أن ينتج عنها. وهذا التكيف يجب أن يتم على المستويات الفردية، والمجتمعية، والوطنية. وعلى المستوى الفردي، التكيف الأكثر أهمية هو أن تستمروا في التعلم مدى الحياة، بحيث يمكنكم باستمرار إضافة قيمة، تتجاوز ما تستطيعه الأجهزة واللوغاريتمات عمله. وعلى المستوى المجتمعي، نجد أن المجتمعات المحلية الأميركية التي تزدهر، هي تلك التي تقوم ببناء ما يسمى بـ «تحالفات التكيف المعقدة». وتشمل هذه التحالفات الشركات المحلية التي تشارك بشكل عميق في تشكيل المهارات، حين يتم تدريسها في المدارس الحكومية وكليات المجتمع، والمدعومة من قبل الجماعات المدنية والخيرية التي توفر فرص التعلم التكميلي والبرامج التدريبية الداخلية، ثم يأتي بعد ذلك دور الحكومة لتحفيز هذه التحالفات، واستئجار شركات التوظيف، للذهاب إلى أي مكان في العالم للعثور على مستثمرين لأصولها المجتمعية المحلية. وهذه الاستراتيجيات الفردية والمجتمعية للتكيف، هي التي تملي البرامج الوطنية التي تريدها وهي: الرعاية الصحية المتنقلة بقدر الإمكان حتى يتمكن الناس من الانتقال بسهولة من عمل لآخر، والنظام التعليمي المجاني أو القابل للخفض من الضرائب قدر الإمكان، حتى يتمكن الناس أيضاً من أن يظلوا متعلمين مدى الحياة، والحد من الضرائب على الشركات والعمل من أجل تحفيز خلق فرص العمل، والاعتماد على ضريبة الكربون التي ترفع الإيرادات، وتخفف من التغير المناخي الباهظ الأكلاف، وسياسات الهجرة والتجارة المفتوحة بقدر الإمكان، لأن البلد الأكثر انفتاحاً في عصر التسارع الذي نعيشه هو الذي يتلقى إشارات التغيير أولاً، وهو الذي يقدر على جذب أكثر الناس استعداداً لتحمل المخاطر وإنشاء الشركات الجديدة. وبدون ذلك، سيظل مجتمعنا أقل تركيزاً على تحديات التكيف الهائلة التي نواجهها، والتي يجب علينا التغلب عليها لتحقيق ما نصبو إليه من أهداف. ---------------- * صحفي ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»