انتهى بمايكل بلومبيرج المآل مديراً لقسم تكنولوجيا المعلومات في بنك «سالومون براذرز» كعقاب له. كان ذلك في عام 1979، وكان قد بدأ بالفعل حياته العملية الناجحة بشكل كبير منذ 13 عاماً في البنك الاستثماري، عقب تخرجه في كلية التجارة في جامعة «هارفارد». غير أنه كان قد صنع كثيراً من الأعداء. ومن ثم قرر شركاء في «سالومون» تحميله مسؤولية قسم معني «بوظيفة مهمة بالطبع»، مثلما يشير «كريس ماكنيكل» في كتابه الجديد «بلومبيرج.. طموح ملياردير»، غير أنه أضحى بعيداً كل البعد عن مجد التداولات والصفقات التي تجني الأموال للبنك، إذ بعد عامين، أعفوه من مهام منصبه، مع مكافأة بعشرة ملايين دولار. وكانت تكنولوجيا المعلومات مجالاً ملائماً جداً لبلومبيرج، فقد كان دوماً يحب البيانات والتحليل، وعندما تخرج في جامعة «جونز هوبكنز» في بداية ستينيات القرن الماضي، خطط في بادئ الأمر لكي يتخصص في مجال الفيزياء قبل أن يتحول إلى الهندسة الإلكترونية. بيد أن تجربته في قسم تكنولوجيا المعلومات ببنك «سالومون» أبرزت له كم من الممكن أن تكون قيمة المعلومات. وجعلته يفكر في فرصة عمل تتمثل في منح العاملين في «وول ستريت» معلومات أفضل مما لديهم. وتصور بلومبيرج أن مزيداً من الأرقام والحقائق ستجعل المتداولين يتخذون قرارات أفضل، وفي المقابل يدفعون مبالغ طائلة للحصول على المعلومات. وفي ضوء ذلك، أسس شركة كمبيوتر مخصصة لتلائم منصات التداول، وهو أمر لم يكن سهلاً في تلك الأيام مع بداية الثمانينيات. وحينئذ كانت شركته، التي أطلق عليها اسم «البلومبيرجيين»، تقدم للمتداولين معلومات بشأن سوق السندات. وفي نهاية المطاف، نمت الشركة بوتيرة أسرع بكثير من سوق السندات، وجعلت «بلومبيرج» مليارديراً، وأثرى رجل في نيويورك. وقد ظل إيمان بلومبيرج بقوة المعلومات، وهي الفكرة التي أصبحت بمثابة أيديولوجية لا تهتز لديه، حتى عندما شغل منصب عمدة «نيويورك» على مدار 12 عاماً. وبحسب «ماكنيكل»، فقد حاول الرجل استغلال البيانات والحقائق والتحليلات في تحويلها إلى مدينة ديناميكية قوية. وقد تخلّص من معظم المكاتب في مقر العمودية، وجلس في مقصورات مفتوحة إلى جانب مساعديه، مثلما كان يفعل في شركته، بحيث يتمكن من أن يكون إلى جانبهم في خضم تدفق المعلومات. وعندما تولى السلطة، أذهله أنه لا يستطيع أحد أن يخبره كم موظفاً يعمل في مدينة نيويورك، وسرعان ما غير فريق عمله ذلك، وأنشؤوا سجلاً للعاملين في المدينة. وفي مجال تلو الآخر، استخدم بلومبيرج المعلومات باعتبارها أداته الرئيسة في الحكم، من خلال تقسيم المباني إلى مناطق، وتصنيف الصحة العامة والنقل، ومعظم المدارس وأقسام الشرطة. ونوّه المؤلف إلى أن عمودية بلومبيرج بدأت قبل أقل من أربعة أشهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وعاصر معظم رئاسات جورج بوش الابن وباراك أوباما، إضافة إلى أسوأ أزمة مالية منذ 70 عاماً. وكان قد انضم إلى «الحزب الجمهوري» ليفوز بمنصب عمدة نيويورك، قبل أن ينفصل عنه بعد ذلك. ولا يزال الديمقراطيون، من وجهة نظر «ماكنيكل»، هم الأقرب لرؤية بلومبيرج التكنوقراطية، باعتباره قوة للخير. و«ماكنيكل»، أحد مواطني نيويورك، وهو يحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ، وقد قضى أعواماً يعمل في قطاع التمويل، وقدم عملاً قيّما بكتابته السيرة الذاتية لـ«بلومبيرج»، وركز فيها على السنوات الـ12 التي قضاها في منصب العمودية، محاولاً تقديم حكم تاريخي مبكر عليها. لكن الكتاب يفتقر إلى الحس الروائي وتفاصيل جديدة بشأن بعض الأحداث السياسية التاريخية. ويترك المؤلف المجال لآراء كل من المقربين من بلومبيرج ومنتقديه. لكنه لا يدع القارئ يشعر بالحيرة بين الأدلة المتناقضة، فيتفادى فخ العدمية الذي يجعل كثيراً من التقييمات الصحفية للسياسيين غير مرضية. وبدلاً من ذلك يرغب في تقديم وجهة نظر بشأن الإخفاقات والنجاحات. وينهي فصول كتابه، والتي يركز كل فصل منها على موضوع مهم، بطرح نقاش حول ما فعله وما لم يفعله بلومبيرج وما هو الأكثر أهمية. وائل بدران الكتاب: بلومبيرج.. طموح ملياردير المؤلف: كريس ماكنيكل الناشر: سكايهورتس تاريخ النشر: 2017