أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الرابعة والأربعين للنصر الذي أحرزته أمتنا العربية مجتمعة في السادس من أكتوبر 1973، لتجبر إسرائيل على التفكير في السلام بدلاً من التمسك بأطماعها في سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة. ما زلت أرى في ظروفنا العربية الراهنة التي تتعرض فيها أمتنا لمخاطر الأطماع الإيرانية ومخاطر الإرهاب أن أفضل طريقة لإحياء الذكرى أمام الأجيال العربية الجديدة تتمثل في استرجاع روح النصر، الروح التي تجسدت في وحدة العرب وتآزر الأشقاء كل بما يقدر عليه لإعداد الجيشين المصري والسوري بعد أن صممت حكومة «جولدا مائير على رفض يد العرب الممدودة للسلام على أساس معادلة الأرض مقابل السلام. تلك المعادلة التي أرساها قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في نوفمبر 1967 بإقراره مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بطريق القوة ومبدأ الاعتراف بوجود الدول داخل حدود آمنة ومعترف بها، وهو القرار الذي وافق عليه العرب وبنوا على أساسه تحركهم آنذاك وما زالوا يبنون عليه جهودهم من أجل السلام الشامل الذي يضمن تحرير الضفة الغربية وكفالة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية. لقد تعرضنا من قبل للدور الحاسم الذي قام به كل من الشيخ زايد بن سلطان والملك فيصل طيب الله ثراهما في مرحلة التحضير للمعركة، وما قدماه من دعم بالسلاح والمعدات والأموال لتجهيز الجيشين وما قاما به في أثناء المعركة من استخدام لسلاح النفط لردع الدول التي ساندت العدوان. اليوم نعتمد على مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان الجيش المصري الذي أفرد فيها فصلاً كاملاً للدعم العسكري والمالي الذي قدمته الدول العربية. عندما تتفحص الوقائع التي يقدمها الشاذلي تغمرك حالة يقين بأن الانتماء العربي ليس مجرد انتماء للغة واحدة، بل هو أيضاً انتماء لمصير واحد يساهم الأشقاء في بنائه دون أن يتخلف أحد منهم مهما تواضعت موارده وإمكانياته. تجد في قائمة الدول التي أسهمت في التحضير للمعركة من المشرق العربي اسم دولة الإمارات العربية المتحدة واسم المملكة العربية السعودية واسم الكويت واسم العراق واسم الأردن واسم السودان، وتجد من دول المغرب العربي اسم ليبيا واسم تونس واسم الجزائر واسم المغرب. عندما تطالع كشف المساهمات بالسلاح والمال والرجال من هذه الدول تدرك جوهر روح النصر الذي تحقق وهو وحدة الوجدان العربي خصوصاً عندما يهدد خطر خارجي أراضي عربية. هذه الروح هي التي يجب تلمس الوقائع والأسانيد المؤكدة لوجودها في ذكرى نصر أكتوبر وغيره من الانتصارات التاريخية العربية على المغول والصليبيين بغية توريث هذه الروح لأجيالنا الجديدة لتشب بإحساس التلاحم العربي والوعي بحق أي قطر عربي يتعرض لتهديد خارجي في الحصول على المساندة المعنوية والمادية من كل أشقائه. يورد الفريق الشاذلي قائمة بالمساهمات المالية المباشرة التي قدمها الأشقاء وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فور اندلاع المعركة. اليوم وقد تعددت مصادر التهديد لأمتنا فإننا نحتاج لروح النصر التي تولدت عام 1973 لصد الأطماع التوسعية الإيرانية في أراضينا والمتمثلة في احتلال جزر الإمارات الثلاث من ناحية ولدحر مخططات الفتن الطائفية والمذهبية التي تزرعها إيران في الأقطار العربية من ناحية ثانية، وللتصدي لموجات الإرهاب من ناحية ثالثة. ولحسن الحظ فإن المشهد العربي الراهن يوحي بأن أمتنا تستعيد روح النصر بهذا التحالف والتآزر الرباعي الرائع بين مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، والذي يعمل على ترشيد القرار في دولة قطر الشقيقة. إن هدف هذا التحالف الرباعي هو وقف منابع الدعم السياسي والمالي للجماعات الإرهابية التي تزرع الفوضى والخراب في أقطار أمتنا وتشوه صورة الإسلام السمحة في العالم وتفتح الطريق للتدخلات الخارجية. إن هذا التحالف الرباعي المبارك لا يغفل أيضاً، وهو يتصدى لخطر دعم الإرهاب، هدف التصدي لمخططات التوسع والفتن الإيرانية جنباً إلى جنب مع هدف استكمال تحرير الأرض العربية التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد أن استخلصنا سيناء بفضل نصر أكتوبر.