في عام 1907 دعا رئيس وزراء بريطانيا هينري كامبل بانيرمان مجموعة من العلماء المختصين في علم السياسة والاقتصاد والاجتماع والجيولوجيا والجغرافيا السياسية، لحضور عدة مؤتمرات عقدتها وزارة المستعمرات البريطانية حول العالم العربي والإسلامي. وقدم هؤلاء العلماء دراساتهم، ولخص كامبل خلاصة نتائج تلك الدراسات قائلاً: «هناك أمة تسيطر على مساحة واسعة، مليئة بمصادر طبيعية غير مرئية، وهم يهيمنون على ممرات العالم وبلادهم كانت مهدَ الحضارة والأديان، هذه الأمة لها دين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد وتطلعات مستقبلية واحدة، ولا توجد عوائق طبيعية تفصل بين بعضهم بعضاً.. ولو اتحدت هذه الأمة في دولة واحدة فسوف تتحكم في مصير العالم وسوف تفصل أوروبا عن بقية العالم، لذلك ينبغي زرع جسم غريب في قلب هذه الأمة لمنع التلاقي بين جناحيها (المشرق والمغرب)، وسيقوم الجسم الغريب بإنهاكها واستنزاف قوتها». وهنا يمكن أن نتوقف عند نموذجين لهذا التوجه: النموذج الأول هو الدراسة المهمة التي قام بها مركز «راند» في عام 2003 والتي كان عنوانها: «الإسلام المدني الديمقراطي.. الشركاء والمصادر والاستراتيجيات» ونشرتها مجلة «روز اليوسف» (21-8-2017). أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها كانت بمثابة «مسح جيولوجي» لمعالم وطبقات المجتمعات الإسلامية من الداخل، حيث قسمت الدراسة في بحثها عن الشريك الذي يفهم كامل تصوراتها السياسية والاستراتيجية إلى أربع طبقات رئيسية هي: الأصوليون -التقليديون -الحداثيون -العلمانيون، وقامت بوضع شرح كامل لكل طبقة والتعريف بها وما إذ كانت ضد أو مع القيم الغربية، وتوقفت عند طبقة العلمانيين، وقالت إنهم أقرب الطبقات فهماً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وأكثرها تفهماً للديمقراطية وثقافة القيم الغربية. النموذج الثاني: الدراسة التي نشرتها مجموعة بحثية أميركية بقيادة «ويليام ليند» المختص في علم التاريخ، بعنوان «الوجه المتغير للحرب.. نحو الجيل الرابع»، وكانت شرحاً تفصيلياً لمراحل الحروب التي مرت بها البشرية منذ عام 1648 وحتى الآن، وقال عن حروب الجيل الرابع التي نعيشها الآن إنها سوف تختلف عن بقية الحروب لأن المعركة فيها تكون عن بعد بحيث يتم فيها تحطيم دولة دون خسارة جندي واحد ولا تحريك دبابة ولا طائرة، لأنها سوف تعتمد على تسخير إرادات الغير لتنفيذ مخططات العدو وإفشال الدول من الداخل عن طريق نشر الفتن وزعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وإثارة الاقتتال الداخلي واستخدام فرق تقوم بعمليات الخطف والاغتيال والتدمير وتشجيع تنظيمات إرهابية مسلحة بقصد إنهاك القوى الأمنية، وتفتيت مؤسسات الدول، وتفكيك وحدتها الترابية ونسيجها الاجتماعي. وقد سبق للصحفية البلغارية «ديليا ناجايتا ندزيفا» أن كشفت في تقرير لها بعنوان «350 رحلة دبلوماسية تحمل أسلحة للإرهابيين» عن تعاقد جهات أميركية وإسرائيلية مع شركة طيران آسيوية لنقل أسلحة من جميع أنحاء العالم إلى الجماعات الإرهابية في مناطق الحروب المختلفة تحت غطاء الرحلات الدبلوماسية. وفيما يخص تجزأ العرب وعدم نهوضهم، يستشهد الدكتور جلال أمين بإجابة بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، على سؤال وجهه له أحد الصحفيين الفرنسيين قال فيه: العرب أكثر منكم عدداً وهم اليوم يتعلمون وعندهم ثروات كبيرة، فإلى متى ستظلون تسيطرون على المنطقة؟ فرد بن غوريون: نحن واعون لكل هذا، لكن يمكن إشغال العرب بعضهم ببعض، وإن تعذر ذلك يمكن إشغالهم بمن حولهم. فرد الصحفي عليه: وإن لم ينفع ذلك؟ قال بن غوريون: إذن فلتكن الحرب العالمية الثالثة.