تمارس الإدارة الأميركية الحالية لعبة خطيرة مع كوريا الشمالية، قد تهدد بتكرار ذات الأخطاء التي ارتكبتها أميركا عندما تورطت في حرب فيتنام، وربما تؤدي إلى نتائج أكثر سوءاً بكثير. ودأب ترامب على توجيه أقسى الانتقادات لرئيس كوريا الشمالية «كيم جونج أون»، مستخدماً لغة التهديد والوعيد. وفي بداية شهر أغسطس الماضي، هدد بإطلاق حملة «النار والغضب» على كوريا الشمالية، وما لبث أن وجه تحذيراً من أن القوات الأميركية نفد صبرها وأصبحت جاهزة للرد. وقال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 19 سبتمبر: «إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها مجبرة على الدفاع عن نفسها وعن حلفائها، فلن يكون أمامنا من خيار آخر غير تدمير كوريا الشمالية بشكل تام. وهذا الرجل الصاروخي -كيم– ينفذ الآن مهمة انتحارية لتدمير نفسه والقضاء على نظامه». وذكرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أن مستشاري ترامب في قضايا الأمن الوطني هم من أوعزوا له بالتوقف عن استخدام التعبير الساخر «الرجل الصاروخي» في وصف «كيم»، لكنّه ظلّ يردده بعد ذلك. وما لبث أن عدّل الوصف ليصبح «الرجل الصاروخي القزم» وذلك في خطابه يوم الجمعة الماضي في تجمع بولاية آلاباما. ويوم السبت، أطلق على موقع «تويتر» تغريدة قال فيها: «لقد استمعت لتوّي لخطاب وزير خارجية كوريا الشمالية في الأمم المتحدة. فإذا كان يردد أفكار الرجل الصاروخي القزم، فلن يبقوا هناك لمدة أطول»! وبهذا يكون الرئيس ترامب قد قطع شوطاً طويلاً في الابتعاد عن النهج الخطابي الدبلوماسي المألوف لدى رؤساء الولايات المتحدة السابقين الذين اكتفوا بتوجيه تحذير من أن الولايات المتحدة سترد بقوة على أي سلوك ذي طابع هجومي تقوم به كوريا الشمالية. وفي نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب يواصل التشهير بالديكتاتور الكوري الشمالي، كانت القوات الأميركية تستعرض عضلاتها قريباً من شواطئ كوريا الشمالية. ويوم السبت الماضي، حلق سرب من القاذفات الأميركية الاستراتيجية من طراز «بي-1» وسرب آخر من قاذفات مقاتلة من طراز «إف- 15» قريباً من المنطقة منزوعة السلاح الممتدة على طول شواطئ كوريا الشمالية. ولا شك أن تصريحات ترامب أثارت اهتمام «كيم»، فردّ بطريقته الخاصة عندما وصف ترامب بأنه «رجل أميركا الخرف والمختل عقلياً» (!) وتعهد بالانتقام منه. وقال وزير خارجيته، إن تصريحات ترامب يمكن أن تُعتبر إعلان حرب. وقد أظهرت سلوكيات كوريا الشمالية عدم خوفها منذ إطلاق أميركا لحملة «النار والغضب» بداية شهر أغسطس. ودليل ذلك أنها أجرت اختبارات على ثلاثة صواريخ باليستية منذ ذلك الوقت وعمدت إلى إجراء أضخم تجربة نووية خلال الفترة ذاتها. وهي تهدد الآن بإجراء تجربة على قنبلة نووية في المحيط الهادئ وبمهاجة الولايات المتحدة ذاتها. ولم يكن أي رئيس سابق للولايات المتحدة يقحم نفسه في مثل هذه الحرب الكلامية ضد ديكتاتور. وقد تجنب الرئيس جون كينيدي أن يطلق على رئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف اللقب الذي كان يتداوله له بعض الصحفيين، وهو «الفلاح القصير البدين»، وكذلك فعل الرئيس رونالد ريجان. وكان جميع الرؤساء الأميركيون يدركون نوعية النتائج التي قد تترتب على تحدي رئيس دولة تمتلك الأسلحة النووية، وكانوا على إدراك تام بأن التعامل معها يجب أن يتصف بالهدوء والحكمة، لأن الحسابات الخاطئة في مثل هذه الأمور قد تؤدي إلى كوارث. ولم نجد في سلوك ترامب مثل هذا الحذر والإدراك لعواقب إطلاق التهديدات والانتقادات. لذا على أعضاء هذه الإدارة قراءة سلسلة الكتب التي نشرت حول حرب فيتنام حتى يدركوا ما الذي يحدث عندما تتصرف الولايات المتحدة بطريقة هجومية تؤدي بها إلى التورط بحرب كارثية. ففي عام 1964، تعهّد الرئيس الأميركي ليندون جونسون بالدفاع عن فيتنام الجنوبية ضد هجوم كان متوقعاً من فيتنام الشمالية (الشيوعية). وفي حينه، وافق على خطة تُدعى «أوبلان» تقضي بإرسال كتائب من الانتحاريين الفيتناميين الجنوبيين لاجتياح أراضي فيتنام الشمالية بدعم من القوات الأميركية. ولم تكن لدى الرئيس جونسون فكرة عن أن مثل هذا العمل يمكن أن يدفع فيتنام الشمالية لدخول الحرب ضد الولايات المتحدة، ولكنّ هذا ما حدث بالفعل. وسرعان ما أثبتت تلك الحرب أنها طويلة لا تكاد تكون لها نهاية حتى بعد أن دفعت فيها الولايات المتحدة بأكثر من نصف مليون جندي عاد 58 ألفاً منهم وهم في توابيت الموتى. ويمكن للاستفزازات المفرطة ضد كوريا الشمالية أن تؤدي إلى نتائج كارثية أعمق من تلك التي شهدتها أميركا في حرب فيتنام. ويمكنك أن تتخيل ما الذي سيحدث لو أن «كيم جونج أون» أخذ تهديدات ترامب على محمل الجدّ. وبالتأكيد فإنه سيعطي الأوامر بإسقاط أي طائرة تحلق فوق كوريا الشمالية وبما سيخلق التوتر الكافي لاشتعال الحرب. ولقد قال وزير خارجية كوريا الشمالية «ري يونج هو» الاثنين الماضي: «طالما أن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على بلدنا، فقد أصبحنا نمتلك الحق كله للدفاع عن أنفسنا، بما في ذلك إسقاط القاذفات الاستراتيجية الأميركية حتى لو كانت تحلق بعيداً عن حدودنا». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»