لا أحد لديه وجهة نظر أكثر وردية عن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «البريكست» أكثر من وزير الخارجية بوريس جونسون. فهو يرى أن هناك فرصة لخروج «مجيد» من الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا صحبه إحياء لعلاقة خاصة عبر الأطلسي مع دونالد ترامب. ولكن الحقيقة غير المريحة هي أن طرفي التحالف الأنجلوأميركي نادراً ما كانا بمثل هذا التنافر من قبل. ويعتقد جونسون، ومدافعون متحمسون آخرون عن الخروج البريطاني، أن تكلفة الخروج حتى لو تم بطريقة عدائية سترجح كفتها لسببين هما التجارة وترامب، ويفضل أن يكونا معاً. وقد صرح جونسون لصحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي قائلاً: «إن علينا واجباً في حكومة المملكة المتحدة أن نقيم علاقات قوية وديناميكية ومنتعشة مع حليفنا الأول وأقوى أمة على الأرض». واحتل جونسون العناوين في صفحات الأنباء الأولى في بريطانيا على مدار الأسبوع الماضي، بعد أن كتب إشادة مطولة من 4200 كلمة عن الخروج البريطاني ووصف المملكة المتحدة فيها بأنها «ثاني أعظم قوة على الأرض بعد أميركا» المستعمرة البريطانية السابقة حسبما قال. ويرى جونسون أن التوصل إلى اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة هو من فوائد الخروج البريطاني. ولا شك في أن جونسون وترامب بينهما أرضية مشتركة، فقد ولد كل منهما في أميركا، ويريان في تشرشل إيقونة الزعيم، ويروقهما انتقاد الاتحاد الأوروبي الذي تقوده ألمانيا. ومن وجهة نظر جيوسياسية بعد قرن من المحاولات الفاشلة لتحويل بريطانيا المتقلصة بعد العصر الإمبراطوري إلى بوابة مهمة على الأطلسي إلى أوراسيا، تبدو الفرصة سانحة لتكوين تحالف أوثق عبر الأطلسي. ووجهة النظر تلك طرحها هنري كيسنجر الذي ذكر أن بريطانيا بعد الخروج قد تعود إلى جذورها كجسر أطلسي ومدافع عن الأمن الغربي. ولكن على الرغم من الشعور بالفرصة السانحة، فإن عدم توازن العلاقة الخاصة في الوقت الحالي أصبح أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى من التاريخ. ويروق بريطانيا وصف الولايات المتحدة بأنها أكبر شريك تجاري مفرد، مشيرة إلى تفاوض على أساس شروط متكافئة، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. صحيح أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق تصدير لبريطانيا، وثاني أكبر سوق استيراد لها، ولكن التجارة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي ككل أكبر بكثير. وإجمالي التجارة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي بلغ ثلاثة أمثال تدفقها مع الولايات المتحدة في عام 2015، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء القومي. وربما يؤيد ترامب بشكل عاطفي وبشدة اتفاق تجارة «كبيراً ومثيراً للغاية» مع بريطانيا ما بعد الخروج، ولكن المفاوضين الأميركيين سيركزون على الأرجح على الحصول على أفضل صفقة في كل قطاع، لأن موافقة الكونجرس لازمة لإبرام مثل هذه الصفقة. وما يعنيه هذا على الأرجح في الممارسة هو الحصول على المزيد من تدفق السلع الأميركية إلى بريطانيا، بما في ذلك بضائع لم يكن دخولها إلى المملكة المتحدة مسموحاً به حين كانت عضواً في الاتحاد الأوروبي مثل الدجاج المغسول بمبادرة «الكلورين» أو لحوم الأبقار التي تمت تغذيتها بالهرمونات. وما زال من الصعب تخيل ما الذي يعنيه هذا لحدود المملكة مع إيرلندا لأن مما لا شك فيه أن مسؤولي الجمارك هناك ستكون لديهم الرغبة في أن يدققوا أكثر في شحنات الغذاء القادمة من الجانب البريطاني. وكان جونسون قد صرح من قبل بأنه من الممكن التوصل إلى حل مع إيرلندا الشمالية، ولكن وجود ترامب يضيف تعقيداً على التوصل إلى مثل هذا الحل. وميول ترامب قد تصبح أكثر تشدداً بمجرد أن يمحص علاقات بريطانيا التجارية مع أميركا التي لا تخلو من فائض تجاري في البضائع. وترامب باعتباره من الأنصار الأقوياء لسياسة الحمائية ليس هناك ما يشير إلى أنه سيتهاون مع البريطانيين. والنظرة الوردية لبريطانيا بعد الخروج باعتبارها قوة تجارية تمتد عبر العالم تبدو جذابة، ولكنها لا تتفق وتعقيد العلاقات التجارية في عصر العولمة الحالي. وحتى تحويل صفقات الاتحاد الأوروبي التجارية القائمة مع كندا أو اليابان إلى ترتيبات ثنائية مع المملكة المتحدة، سيكون صعباً أيضاً مع الأخذ في الاعتبار اعتماد بريطانيا على مكونات يجري إنتاجها في الخارج. وربما لا يريد جونسون وحلفاؤه أن تعترض الحقائق سبيل القصة السعيدة التي تروي أن الخروج محل فخر وليس تنازلاً أو محل أسف. والمشكلة أن أي سياسي سيحتاج إلى الكثير من الرصيد السياسي ليقنع الشعب بأن التوصل إلى صفقة مع ترامب يمثل نجاحاً في ظل الطبيعة غير المتوازنة للعلاقة. وفي الوقت الحالي، فهذا الزخم السياسي لا يمتلكه جونسون ولا رئيسة الوزراء تريزا ماي بل يمتلكه جيرمي كوربن الزعيم العمالي المعروف بسجله المناهض للإنفاق العسكري والأسلحة النووية والتجارة الحرة. وهذه ستكون مفاوضات خاصة حقاً. لونيل لورانت كاتب أميركي متخصص في الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»