أنصار الاتفاق النووي مع إيران في الولايات المتحدة، يعيشون حالة من الذعر الآن. فمسؤولو إدارة أوباما يحذرون، من أن تهديدات الرئيس دونالد ترامب، الخاصة بعدم تقديم شهادته الشهر المقبل على أن إيران، قد امتثلت لبنود الاتفاقية النووية الموقعة منها، يمكن أن تؤدي إلى تفكك اتفاقية، كان يمكن أن تجعل العالم أكثر أمناً. ومن جانبهم، يقول الزعماء الأوروبيون، والمبعوثون الإيرانيون، إن الاتفاق لا يمكن التفاوض عليه مجدداً. ومن ناحية أخرى، يحاول العديد من المسؤولين المتخصصين في وزارة الخارجية، وبهدوء، إيجاد طريقة، لتأجيل - على الأقل- خطة ترامب لتعطيل لوضع عراقيل أمام الاتفاق، وإدخاله في مرحلة من الفوضى. هذا التحذير من جانب مسؤولي إدارة أوباما أمر مفهوم. وإذا ما تراجع ترامب عن الشهادة على امتثال إيران ببنود ما يعرف بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فسيتعين على الكونجرس في هذه الحالة التصويت على فرض عقوبات قاسية على بنوك إيران وصادراتها النفطية، وهو أمر لو حدث، فمن المحقق أنه سيؤدي لنسف الصفقة النووية. ومع ذلك، فإن الشيء اللافت هو أن تهديدات ترامب قد حققت بالفعل بعض النتائج، منها أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أهمية الاستمرار في الاتفاق النووي مع إيران. وقال «إن نبذه الاتفاقية سيكون خطأ فادحاً، كما أن عدم احترامها سيكون عملاً غير مسؤول». وبعد هذا الخطاب، قال ماكرون للصحافيين «هل هذا الاتفاق كافٍ؟ أعتقد أنه غير كافٍ؛ نظراً لتطورات الوضع الإقليمي، والضغط المتزايد الذي تمارسه إيران على المنطقة، وزيادة نشاط إيران في المجال البالستي، منذ الاتفاق». موقف فرنسا والمملكة المتحدة، في الوقت الراهن، هو أن الدولتين تعارضان إعادة فتح التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران، ولكنهم يحبذون محاولة الضغط على إيران للموافقة على إجراء إصلاحات تكميلية عليه. الآن دعونا ننظر إلى الإيرانيين. يقول المدافعون الغربيون عن الاتفاق النووي، إنه لا يرفع إلا العقوبات المفروضة على إيران فيما يتعلق بالانتشار النووي. وبالتالي، فإنه لا يزال بإمكان الولايات المتحدة معاقبة إيران على تجاربها الصاروخية، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ودعم الإرهاب. ولكن الإيرانيين لم ينظروا إلى المسألة على هذا النحو أبداً. فبمجرد دخول الصفقة مرحلة السريان في يناير 2016، اشتكى المبعوثون الإيرانيون من أن الولايات المتحدة لا تلتزم ببنودها، وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في ذلك الوقت، إن الاتفاق ما زال قائماً، ولكن «إذا لم يلتزم أحد الطرفين به، فإنه سيبدأ في التعثر». وبعبارة أخرى، كان جزء من الاستراتيجية الإيرانية يهدف إلى استخدام الاتفاق النووي، كرافعة للحصول على المزيد من التنازلات. وقد قوض ترامب استراتيجية إيران هذه، بالتهديد بخروج أميركا من الصفقة. والآن لا يزال القادة الإيرانيون يتحدثون بأسلوب عنيف، لكن العقوبات الأميركية الجديدة لم تدفعهم، حتى الآن على الأقل، نحو الانسحاب من الاتفاق. إضعاف مخطط إيران هو بداية جيدة من جانب ترامب. ولكن السؤال هنا هو: ما الذي يمكن أن يفعله ترامب مع النفوذ الذي خلقه؟ وهل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، قادر على القيام بمهمة ممارسة الضغط على الأوروبيين وإيران لمعالجة عيوب الاتفاق النووي؟ الحقيقة أن تيلرسون لديه ما يكفي من أعباء، مثل عبء التعامل مع كوريا الشمالية وسوريا، علاوة على أنه لم يحقق نجاحاً دبلوماسياً كبيراً منذ أن تولي مهام ىمنصبه. ففي هذا الأسبوع فقط قامت روسيا وبشكل صارخ بانتهاك بنود اتفاق خفض التصعيد التي تفاوض عليها تيلرسون مع لافروف في مايو من أجل سوريا. لذلك قد يكون من الأصوب في هذه النقطة من الزمن، أن ينظر ترامب في أمر تعيين مبعوث خاص لمعالجة موضوع الاتفاق مع إيران. والشيء الأمثل هو أن يكون هذا المبعوث من المنتقدين للاتفاق، وألا يقع في الفخ الذي وقع فيه مفاوضو أوباما الذين اعتقدوا أن علاقة الود التي أقاموها مع المبعوثين الإيرانيين الذين شاركوا في المباحثات ستؤدي لحدوث تقارب مع النظام في طهران. وأخيراً، يجب أن يكون مبعوث ترامب الجديد رجلاً يتمتع بخبرة طويلة في مجال الحد من الانتشار النووي، والقانون الدولي. بمعنى آخر أنه يجب أن يكون شخصاً مثل جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة. ولكن بولتون لسوء الحظ، أوضح بجلاء أنه يعارض الاتفاق النووي تماما. المرشح المثالي للتفاوض من أجل إدارة ترامب، يجب أن يكون خصماً للاتفاق الأصلي، فهذا الموقف في حد ذاته سيعطيه مصداقية، والعثور على شخص بهذا المواصفات، سيكون بمثابة إضافة جيدة، من دون شك. لقد جربنا أسلوب التعامل بلطف مع الإيرانيين، وحان الوقت الآن لشيء أكثر خشونة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»