حل القادة من جميع أنحاء العالم ضيوفا على نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلقاء الخطب الرنانة عن ضرورة مساعدة الدول الفقيرة، علاوة على إظهار جرعة كبيرة من الاستعراض. وكان هذا أحد المجالات التي أظهر فيها الرئيس دونالد ترامب مفهوم إدارته للقيادة العالمية. ولو كانت هناك جائزة للجرأة أثناء اجتماعات الأمم المتحدة، فإن المنافسة ستكون صعبة دون شك، ولكن الميدالية قد تذهب إلى ترامب الذي حذر قائلاً إنه إذا لزم الأمر «لن يكون أمامنا خيار سوى تدمير كوريا الشمالية تماماً». وكانت هناك همسات في القاعة: إن منبر منتدى السلام قد استخدم للتهديد بإبادة أمة يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة. وكان من المؤسف أيضاً أن نرى ترامب وهو يروج مراراً وتكراراً لـ«السيادة» وهي تقريباً الكلمة المفضلة لدى حكومات مثل روسيا والصين. وعند الحديث عن ميانمار، تركت زعيمة المعارضة البورمية «أونج سان سوكي» اجتماع الأمم المتحدة، بعد تكريمها العام الماضي، لأنه من المحرج أن يدافع شخص حائز جائزة نوبل للسلام عن حملة وحشية من القتل والاغتصاب والنهب. وقد سلط العديد من القادة المسلمين الحاضرين، الضوء على محنة أقلية الروهينجا التي تعاني التطهير العرقي في ميانمار. وفي الوقت نفسه، فإن قادة العالم عادة ما يتجاهلون الأماكن التي لا تتناسب مع رواياتهم. فقد تجاهل الجميع تقريباً جنوب السودان وبوروندي، والكونغو، التي تتجه إلى صراع أهلي فيما يحاول الرئيس التمسك بالسلطة، هذا فضلاً عن المجاعات الأربع في نيجيريا والصومال وجنوب السودان. ومما يحسب لترامب أنه قد أعرب عن قلقه خاصة بشأن جنوب السودان والكونغو، وقال إنه سيرسل سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة «نيكي هالي» إلى المنطقة لمعرفة ما يمكن عمله، فدعونا نأمل أن تظهر إدارته الزعامة التي تشتد الحاجة إليها. وللإنصاف، فهناك أسباب كثيرة للأمل، بما في ذلك التقدم المذهل في محاربة الفقر حول العالم -فقد تم إنقاذ حياة 100 مليون طفل منذ 1990. وكل يوم، يحصل 300 ألف شخص على الكهرباء لأول مرة، ويحصل 285 ألفاً على المياه النظيفة. إن هنالك أكثر من فرصة لتقليص الفقر العالمي، حيث إنه أصبح لدينا فهم أفضل لكيفية هزيمته، عن طريق حل الصراعات والاستثمار في تعليم الفتيات وتمكين المرأة ومحاربة سوء التغذية ودعم تنظيم الأسرة.. إلخ. ولأول مرة في تاريخ البشرية، يعيش أقل من 10% من سكان العالم في فقر مدقع، وقد نستطيع تقليص ذلك الرقم كثيراً خلال الـ15 عاماً القادمة إذا حظي هذا الهدف بأولوية عالمية. كما أن التقدم الذي تم إحرازه أيضاً فيما يتعلق بمنع الاتجار في البشر أمر مشجع. وقد أدرت جلسة للأمم المتحدة حول هذا الموضوع، وكان من المشجع أن نرى حشداً من المتضامنين ينخرطون في موضوع غامض تاريخياً، حتى وإن كانت التقارير تفيد بأن هناك 40 مليون شخص من الممكن وصفهم بالأرقاء المعاصرين. وقد عقدت رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» أكبر اجتماع لوزراء الخارجية لمناقشة قضية الاتجار بالبشر. والآن لدينا الأدوات لتحقيق تقدم هائل ضد هؤلاء الأعداء المشتركين للإنسانية -الفقر والمرض والعبودية - ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت لدينا الإرادة بالقدر الكافي لذلك. ولعل مما يثير الدهشة هنا أن أمامنا الآن أسوأ أزمة لاجئين منذ سبعين عاماً، وهي تتشابك أيضاً مع أسوأ أزمة غذاء منذ سبعين عاماً كذلك، هذا فضلاً عن مخاطر الإبادة الجماعية في العديد من الدول. ويقول «ديفيد ميليباند»، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية «إن هناك فراغاً في القيادة -أخلاقياً وسياسياً- عندما يتعلق الأمر بمناطق الاضطراب في العالم، من سوريا إلى اليمن إلى ميانمار وما وراءها». وقد اتفقت معه في هذا الرأي أيضاً وزيرة خارجية السويد «مارجوت والستروم». غير أن هناك العديد من البلدان المقسمة من الداخل والمشتتة بفعل الاحتراب السياسي، وعلى أي حال، تظل الولايات المتحدة هي القوة العظمى التي لا غنى عنها لمواجهة كثير من تحديات العالم اليوم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»