يدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الاتفاق الذي تم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران لتحجيم البرنامج النووي الإيراني، هو اتفاق مروّع. ومثلما قال في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، «كان الاتفاق النووي من أسوأ الاتفاقات الجائرة التي أبرمتها الولايات المتحدة، وبصراحة: إن ذلك الاتفاق محرج للولايات المتحدة، ولا أعتقد أنكم تدركون كيف ستكون نهايته.. صدقوني!». وألمح ترامب إلى أنه اتخذ قراراً بشأن ما إذا كان سينسحب من الاتفاق، ولكنه لم يفصح عن قراره، فعلى أية حال، كما هي الحال دائماً، يرغب المرء في أن يترك جمهوره متلهفاً على الإنصات لحلقة الأسبوع المقبل! وقد اشتكى ترامب مراراً وتكراراً أثناء الحملة الانتخابية في عام 2016 بشأن الأموال التي «منحتها» الولايات المتحدة لإيران، بموافقتها على الإفراج عن الأموال الإيرانية التي تم تجميدها في البنوك الغربية. وعلى الرغم من أنه لا يكشف عن أسباب اعتقاده بأن تلك الصفقة هي الأسوأ في التاريخ، لكن يبدو الآن من المحتمل بشكل كامل أن ينسحب من الاتفاق، وهو أمر سيحتاج بالطبع إلى مبررات أمام المجتمع الدولي والأطراف الأخرى في الاتفاق. وفي هذه المرحلة، لم نعد نتوقع أن الرئيس سيتخذ أي قرارات وفق أسباب منطقية مبنية على أفكار مدروسة، حتى تلك التي القرارات التي يمكن أن تكون لها تداعيات. ولكن يبدو الأمر مختلفاً فيما يتعلق بمستشاريه. والسياق المهم هنا هو أنه من الواضح أن المستشارين البارزين لترامب يختلفون معه بشأن جدوى الانسحاب من الاتفاق في الوقت الراهن. وفي الحقيقة أرجع كثيراً إلى هذه الفقرة في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في يوليو الماضي: «في اجتماع مطول عُقد يوم الأربعاء الماضي، أوصى كبار مستشاري الأمن للرئيس دونالد ترامب بالإبقاء على الاتفاق النووي في الوقت الراهن، ومن بين هؤلاء الذين تحدثوا وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيم ماتيس، ومستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر، ورئيس قيادة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دونفورد، حسبما أكد مسؤول وصف النقاشات الداخلية شريطة عدم ذكر اسمه. وأكد المسؤول أن الرئيس ترامب قضى 55 دقيقة من الاجتماع يؤكد رفضه للاتفاق وعدم رغبته في الإبقاء عليه». وعلى الرغم من ذلك، إذا انسحب ترامب من الاتفاق، فإن هؤلاء المستشارين أنفسهم سيتعين عليهم تبرير ذلك القرار أمام الشعب الأميركي والمجتمع الدولي، ومن ثم يبدو أنهم قد اتفقوا على المبررات التي سيقدموها حال حدوث ذلك. وأبرز هذه المبررات هي أن إيران تقترف جرائم بالغة السوء لا يشملها الاتفاق، ومن ثم يتعين على الولايات المتحدة الانسحاب من الصفقة برمتها. وقد صرّح «ماكماستر» بأن «الأمر يتعلق حقيقة بكيفية ملائمة التعامل مع ذلك الاتفاق للاستراتيجية الأميركية الأشمل في مواجهة ما تفعله إيران، ولاسيما زعزعتها للاستقرار في أنحاء المنطقة ودعمها لجماعات إرهابية ومواصلتها تطوير برنامج الصواريخ الباليستية. وبالطبع، هذه الجرائم كافة ليست مشمولة في الاتفاق النووي، لأن هدفه كان التعامل مع البرنامج النووي الإيراني فحسب!». ويؤكد ذلك أن السبب الرئيس الذي يجعل ترامب راغباً في الانسحاب من الاتفاق النووي، هو أن إيران ترتكب جرائم، لا يتعامل الاتفاق معها. بيد أن البعض قد ينصح ترامب بطريقة للخروج من هذه الأزمة، وهي أنه إذا أراد أن يتصدى لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعمها للجماعات الإرهابية، فربما عليه أن يترك الاتفاق النووي سارياً، وأن يبدأ مفاوضات على اتفاق جديد شامل للتعامل مع تلك المشكلات كافة. بول والدمان: كاتب أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»