عادت المطالبة الشعبية والرسمية في بعض الدول الخليجية، لاسيما في الكويت، للظهور داعيةً للتخلص من العمالة الوافدة ولتوظيف المواطنين في كل المرافق العامة. ففي الكويت مثلاً طلب ديوان الخدمة المدنية من وزارات الدولة تخفيضاً سنوياً لموظفيها من الوافدين والعمل على «تكويت» معظم الوظائف خلال خمس سنوات. أعضاء مجلس الأمة الكويتي من جانبهم دخلوا على الخط وباركوا خطوات الحكومة في هذا المجال، وإن اعتبروا في الوقت ذاته أنها غير كافية، حيث طالبوا بالعمل على معالجة الاختلالات في التركيبة السكانية الحالية. ومن هنا فالسؤال المثار هو: هل المطالب الشعبية والنيابية في الكويت، وبعض دول الخليج الأخرى، بالإسراع في تبني سياسة لاستبدال الموظفين الوافدين بموظفين مواطنين، هي مطالب واقعية وعملية وقابلة للتطبيق؟ أقولها هنا بكل صراحة ووضوح، بحكم التخصص والخبرة، ومن واقع الحالة الكويتية تحديداً: لا يمكن تغيير التركيبة السكانية في منطقة الخليج العربي بسهولة، ذلك أنه يصعب التخلص من العمالة الوافدة في الوقت الحالي على الأقل؛ ففي معظم بلدان دول مجلس التعاون الخليجي يمثل المواطنون أقلية في وطنهم. وفي بلدي الكويت تحديداً يشكل المواطنون ما نسبته 31% من مجموع السكان والبقية أجانب، أما في سوق العمل فيشكل المواطنون 16% من مجموع قوة العمل النشطة.. وفي دولة أخرى مثل قطر فالوضع السكاني ليس أفضل حالاً من الكويت، إذ يمثل المواطنون نسبة أقل من ذلك. لقد بدأت اختلالات التركيبة السكانية بعد اكتشاف النفط وتدفق العمالة الأجنبية إلى الخليج لمساعدة دوله في بناء اقتصاداتها الناشئة. وكان للتواجد الأجنبي والعربي في بلداننا الخليجية دور مهم في تحقيق ما أنجزناه من نهوض اقتصادي. الآن، وبعد تعثر كثير من الخطط والسياسات لدى بعض الدول الخليجية من أجل تنويع مصادر الدخل وتقليص أعداد الوافدين، كما نشاهد في الكويت خاصة (وبعض دول مجلس التعاون الأخرى أيضاً)، جاءت مرحلة انخفاض أسعار النفط وتراجع مفهوم الدولة الريعية وبدء فرض الضرائب والرسوم. لكن رغم ذلك قلّ من يعترف بأن أنظمة التعليم ومعاهد التدريب في العديد من هذه الدول لم تنجح في إعداد شباب مؤهل لاستلام الوظائف الكثيرة في القطاعات الإنتاجية، الخاصة والحكومية معاً، لاسيما وظائف ومهن التخصصات العلمية والعملية، من مهندسين وفنيين وتقنيين وحتى عمالة يدوية بسيطة. والمشكلة أن كثيراً من المواطنين في دول الخليج العربية يعزفون عن ممارسة العمل اليدوي والفني والتقني، لاعتبارات ثقافية وحضارية تنبع من ثقافة المجتمع المحلي ونظرته للعمل اليدوي. لذلك يصعب التخلص من مئات الآلاف من خدم المنازل وغيرهم من فئات العمالة الوافدة الأخرى. وإذا كان نواب «مجلس الأمة» (البرلمان الكويتي) جادين في أطروحاتهم حول «تكويت» الوظائف، فلماذا لا يتطرقون إلى خفض عدد العمالة المنزلية (الخدامين والسائقين والطباخين) وغيرهم ممن يعتنون بمنازلنا وتربية أطفالنا وطبخ غذائنا..؟!