في ظل مراوحة الأزمة القطرية عند نقطة المراوغة والمكابرة وتهرب الدوحة من مواجهة استحقاقات سلوكها الخاطئ خلال السنوات الماضية، وبعيداً عن التفاعلات الإعلامية المباشرة التي تقوم بتغطية التداعيات وتكشف كل يوم عن حماقات قطر وتورطها في تدويل أزمتها، صار من اللازم التوجه نحو تشريح جوهر المشكلة عبر الدراسات والأبحاث والندوات، لأن السلوك القطري السلبي أصبح قابلاً للدراسة بوصفه ظاهرة شاذة في المنطقة، وتحمل في مضمونها ما يمكن اعتباره أنموذجاً للإخفاق والفشل الذي تسقط فيه دولة عندما تخسر محيطها القريب وعمقها الاجتماعي والثقافي، لصالح التحالف مع جماعات إرهابية متطرفة. هذه التطورات وغيرها دفعتنا في مركز «المزماة» للدراسات والبحوث إلى تنظيم ندوة ستعقد الأربعاء القادم بجامعة زايد في العاصمة أبوظبي، بعنوان «مخاطر السياسة القطرية على أمن المنطقة»، تستضيف نخبة من الباحثين للخروج بحصيلة آراء علمية متنوعة، في سياق تحليل السلوك السياسي القطري، على خلفية الأزمة القائمة بين الدوحة والدول الأربع التي أعلنت رفضها للنهج القطري بالمقاطعة المشروعة. مخاطر سياسة قطر على مجتمعها ومحيطها أصبحت واضحة، لكن التعنت الرسمي القطري لا يزال يستهلك خطابات تحلق في الأوهام وبعيداً عن الواقع. وهذا التعالي كلما طال فهو ينذر بعواقب خطيرة على الداخل القطري نفسه، كما يؤسس لصرامة في التعامل مع الدول الداعمة للإرهاب. وأصبح من المشروع التساؤل بشأن مصير الأموال القطرية؛ أين تذهب؟ ولمن تُدفع؟ ومن يتولى بالفعل رسم السياسة القطرية؟ أسئلة تطرح في ظل ظهور القيادة الحالية على هيئة منفذ أعمى لسياسة مرسومة سلفاً لتحقيق أهداف مشبوهة، ليس من بين أولوياتها مصلحة القطريين، بقدر ما تدافع عن العلاقة الحميمة بين الدوحة وتنظيم «الإخوان»، بل وتعتبر مناقشة مثل هذه الجزئية من أمور السيادة! فعن أي سيادة يتحدث الإعلام القطري وكل همه الدفاع عن الارتباط الوثيق بين نهج قطر وإعلامها وثروتها وخدمة توجهات تسييس الدين في المنطقة، وتشجيع الصراعات والتطبيل لدورات العنف، وصناعة الأزمات والإضرار بأمن واستقرار الشعوب؟ في الندوة المرتقبة نأمل أن نتناول محاور عديدة تتصل بمخاطر سياسة قطر على أمن المنطقة، وسوف تطرح أسئلة مشروعة يصعب القفز عليها دون إجابات. فالجميع يدرك مثلاً أن تفكيك غموض قطر يتطلب تسليط الضوء على نهج الأمير الأب الذي انقلب على والده، ثم قام بتنصيب ابنه لتستمر سياسته المراوغة، بما في ذلك تعمد السياسة القطرية تجاهل لوائح الإرهاب المعتمدة في دول الخليج الأخرى، والعمل ضد تلك اللوائح من خلال دعم المنظمات المحظورة، بالإضافة إلى منح الدوحة تسهيلات مالية ولوجستية لأفراد مطلوبين للعدالة بتهمة الانتماء لتنظيمات إرهابية. كما وفرت منابر إعلامية، أو مولتها، بهدف التشويش على المجتمعات عبر الصوت العالي لتنظيمات الإسلام السياسي في محطات تلفزة تبث من تركيا، وتصوير ذلك التشويش كانعكاس للشارع العربي! بل ذهبت قطر أبعد من ذلك بارتمائها في أحضان إيران «الشريفة»، لتعميد سلوكها القائم على مواجهة البيت الخليجي، وعززت حالة العداء بتفعيل اتفاقية عسكرية مع تركيا واستجلاب قاعدة تركية لتأكيد القطيعة التامة مع الخليج. في حين كان المطلوب منها التوقف عن دعم الجماعات الإرهابية وكل ما يتصل بذلك من أداء إعلامي وسياسي. وكما يقال الأيام حبلى بالمفاجآت، وملفات قطر ثقيلة ولم يتم الكشف عن محتوياتها. فإذا كانت الدوحة قد وجدت بدائل لإمداد أسواقها بالغذاء عبر البحر والجو، فإنها لن تجد وسيلة لسلخ جغرافيا قطر وشعبها من خريطة الخليج العربي. والنصيحة الذهبية التي يمكن تقديمها لقطر في هذه الظروف هي أن تحاول العودة من جديد إلى محيطها الخليجي. أما ضجيجها الإعلامي الذي لجأت خلاله بعدائية مرتبكة إلى تلفيق أكاذيب مضحكة، فقد ظهر كله بمسحة إخوانية تكشف عن اللون السياسي الذي يسيطر على مطبخ الأخبار في الإعلام القطري. بينما لم تكشف الدول المعترضة على سياسة الدوحة سوى القليل فقط من الملفات السوداء لهذه الأخيرة.