أصبحت الأسبوع الماضي رئيساً لمعهد «ساندرز»، وهو عبارة عن مبادرة تمخضت عنها الحملة الرئاسية لبيرني ساندرز في العام الماضي، 2016. وفي حين يعمل «ساندرز» في الوقت الراهن عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، فإنه لا يستطيع المشاركة في عمل المعهد، ولكننا ملتزمون بتعزيز القضايا التي ارتكز عليها ترشحه للبيت الأبيض. والهدف من «معهد ساندرز»، مثلما يوضح نظامه الأساسي، هو إعادة تجديد ديمقراطيتنا بتعزيز جمهور من الناخبين المثقفين ومساندة الأفكار التقدمية من خلال الحوار المتمدن. وترتكز جهود تأسيس «معهد ساندرز» على مجموعة من الزملاء المؤسسين المرموقين، سيعملون على إدارة سلسلة من القضايا الاقتصادية والبيئية والعرقية والاجتماعية، وقضايا مرتبطة بالعدالة والسياسات الخارجية. ومن هؤلاء باحثون ونشطاء مميزون مثل «هاري بيلافونت» و«داني جلوفر» و«روبرت ريك» و«ستيفاني كيلتون» و«كورنيل ويست» و«جيفري ساكس» و«بيل ماكبين» و«بين جيلوس» و«مايكل لايتي» و«تولسي جباراد» و«نينا تيرنر» و«جين أوميرا ساندرز»، وهي صاحبة فكرة تأسيس «معهد ساندرز». ومن بين الأمور التي تمت مناقشتنها في اجتماع مجلس الإدارة الأول للمعهد، ما أعتبره محوراً لمهمتنا، وهو «الالتزام الجماعي بالحوار المتمدن»، لاسيما أن الأحداث الأخيرة التي وقعت في الولايات المتحدة أظهرت مدى أهمية التركيز على تغيير الطريقة التي نتناقش بها، ومواجهة أولئك الذين يستخدمون الهجمات الشخصية والأساليب القاسية أو اللغة البذيئة في محاولة لتسفيه وجهات النظر المغايرة. وأثناء السباق الرئاسي العام الماضي، شعر الأميركيون من الأطياف السياسية كافة بالصدمة من اللغة التي استخدمها المرشح آنذاك دونالد ترامب، خصوصاً تشويه خصومه ونيله من مجتمعات الأقليات، وربما في بعض الأحيان تحريض أنصاره. وكان هناك من يأملون أن يتغير ترامب بمجرد أن يدلي بالقسم، غير أن اللغة التي لا يزال يستخدمها في تغريداته اليومية وتصريحاته في الفاعليات الصحافية تظهر أن آمالهم قد ذهبت سُدى. وعلى رغم ذلك، فإن قلقنا ليس مقصوراً على ما فعله ترامب؛ لأننا نرى دلالات مقلقة على سلوكيات وتصريحات قاسية بين الليبراليين والتقدميين أيضاً. وقد أصدرت هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي كتابها الجديد «ماذا حدث»، وتسرد فيه روايتها للأسباب التي أدت بها إلى خسارة الانتخابات في عام 2016. ولأنها أشارت على نحو غير منصف إلى أن المنافسة الصعبة بينها وبين «ساندرز» كانت عاملاً تسبب في خسارتها، فقد ترددت على موقع «تويتر» اتهامات قبيحة تبادلها أنصار كلا المرشحين السابقين. وربما يكون من المفيد هنا أن نناقش لماذا خسرت كلينتون، ولكن الإهانات والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة تجعل الأمر غير مثمر، بل لعل ضرره أكثر من نفعه. وعلى أي حال، فقد انطوت المنافسات التمهيدية في الحزب الديمقراطي عام 2016 على مناظرات حول الجوانب الرئيسة في السياسات المحلية والخارجية. وتحدى «ساندرز» هيلاري كلينتون في قضايا مثل أسباب غياب المساواة في الدخل والظلم الاقتصادي، والحاجة إلى كسر هيمنة النخب المالية وجماعات الضغط المؤسساتية على قطاع الرعاية الصحية والسياسات التجارية ونظام العدالة الجنائية، والعملية السياسية الأميركية في حد ذاتها. وطالب بالتفكير بشكل كبير، واقترح أهدافاً مثل: زيادة الحد الأدنى للأجور وإنهاء الاتفاقيات التجارية التي لا تصب في مصلحة العمال الأميركيين، وتقديم برنامج رعاية صحية شامل عن طريق توسيع برنامج «ميديكير»، وتوفير فرص عمل من خلال الاستثمار في البنية التحتية والطاقة المتجددة. وشكك «ساندرز» في السياسات الخارجية التي دافعت عنها كلينتون مثل الحرب في العراق والدعم الأميركي غير المتوازن للقمع المتواصل الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين. ورداً على ذلك، سخرت كلينتون من أفكار «ساندرز» الكبيرة، ورفضتها، باعتبارها غير واقعية. ودافعت بدلاً من ذلك عن نهج متدرّج للتعامل مع مثل هذه القضايا. وربما زادت حدة المناظرات، وأصبحت شخصية في بعض الأوقات، ولكنها لم تنحدر أبداً إلى المستوى الذي شاهدناه الأسبوع الماضي عبر «تويتر». وبالطبع، لم تكن الاتهامات التي أطلقتها كلينتون، وضخمها مؤيدوها، بأن «ساندرز» أضرّ بفرصها في الفوز بالانتخابات الرئاسية، صحيحة. فهو لم يعلن تأييده لها فحسب، ولكنه أيضاً تحدى أنصاره بقوة ودعاهم لاقتفاء أثره، وأقام أكثر من ثلاثين فاعلية ضمن الحملة الانتخابية نيابة عنها في مواجهة ترامب. وأكد بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية لصالح كليتنون، أن المنافسة بينهما قد انتهت، وأن الاختيار أصبح بين دونالد ترامب وبينها، وأنه ملتزم بفعل كل ما يلزم لمساعدة هيلاري على الفوز. وعلى «الديمقراطيين» أن يستنبطوا درساً من ذلك مع اقتراب انتخابات الكونجرس في 2018، وهو أنه ينبغي طرح الأفكار الكبرى ومناقشتها، ولكن لا ينبغي أبداً أن ينقسموا أثناء مناقشتها، والحوار العدائي الاستقطابي لن يفضي إلا إلى مزيد من الانقسام، ويُصعب المناقشة الحقيقية بشأن تلك الأفكار.