مع اهتمام العالم بانعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من المهم أن نتذكر أن علاقة أميركا بالعالم لا تعتمد على أحوالها السياسية فقط، بل إن العلاقات التي تربط الأمم بعضها ببعض هذه الأيام مرتبطة بدرجة أساسية بمدى فعالية قطاعي التجارة والاستثمار. وغالباً ما ترتكز العلاقات السياسية بين الدول على طبيعة العلاقات الاقتصادية فيما بينها أيضاً. ومع أن الرؤساء التنفيذيين للشركات ليسوا دبلوماسيين، إلا أن في وسعهم أن يكونوا من ذوي الأصوات المسموعة أثناء سعيهم لتعزيز التعاون في العديد من المجالات والقضايا المهمة، حيث يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً بناءً يتنوع بين المساهمة في تحقيق الأمن الوطني، وحتى معالجة ظاهرة التغير المناخي. صحيح أن الحوار العام غير الرسمي وحده لا يمكن أن يستبدل القنوات الدبلوماسية الرسمية، إلا أن في وسعه أن يساعد على تأكيد التزامات أميركا بدعم حلفائها بطرق وأساليب فعالة. ويمكن للمبادرات التي تتكفل بها شركات القطاع الخاص أن تتحمل أيضاً من المسؤوليات أكثر من تلك الكلمات المنطوقة (أو التي يتم التغريد بها على موقع تويتر) من طرف المسؤولين الحكوميين. ومنذ شهر يناير وحتى الآن، لا زالت إدارة ترامب تواصل اتخاذ القرارات بوقف التعامل مع المؤسسات الدولية التي سبق لها أن لعبت دوراً مركزياً في تشكيل النظام العالمي وتطوير الاقتصاد خلال العقود الماضية. وكان فشل الرئيس ترامب في تأكيد التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من النظام الداخلي لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، والقرار الذي اتخذه بالانسحاب من اتفاقية باريس المناخية التي أشرفت الأمم المتحدة على صياغتها، واقتراحه بتخفيض المساعدات الخارجية، وسعيه لإلغاء بعض أعلى المناصب في وزارة الخارجية، كلها من الأمور التي أدخلت قادة العالم أجمع في حالة تساؤل عن مدى الالتزام الأميركي بضمان تحقيق الاستقرار العالمي. كما أن هذه العوامل قلصت أيضاً من قدرة الولايات المتحدة على اختبار «القوة الناعمة». وأنا آمل، ويشاركني في أملي هذا العديد من أرباب العمل من كلا الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، أن تعمل إدارة ترامب على تغيير أسلوبها، وأن تدرك أن الولايات المتحدة تكون في وضع الدولة الأكثر قوّة عندما تقود النظام العالمي بما فيه من مؤسسات دولية بدلاً من الانسحاب منه والتخلي عن هذا الدور. وفي يوم الأربعاء الماضي 20 سبتمبر، شهدت مدينة نيويورك انعقاد أول اجتماع ينظمه «منتدى بلومبيرج العالمي للأعمال» بمشاركة أكثر من 100 من مديري الشركات الأميركية، أو التي تعمل في الولايات المتحدة. وانضم إليه أكثر من 50 رئيس دولة ممن جاءوا لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للمشاركة في نقاشات حول الطرق التي يمكن للحكومات وأرباب العمل انتهاجها معاً للعمل المشترك من أجل خلق فرص العمل ورفع مستويات المعيشة وتدعيم الأمن على المستوى العالمي. وعلى رغم أن السياسة التجارية تلعب دوراً مهماً في إزالة الحواجز التي تفصل بين الأمم والشعوب، فإن الجهد البسيط الذي يتطلبه تفعيل الحوار بين الشركات والدول يمكنه أن يشجع العمل على زيادة الفرص الاستثمارية. ويمكن لمثل هذه الحوارات والمحادثات أن تقود الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تهدف إلى التغلب على المصاعب والعراقيل، وأن تساهم أيضاً في تحقيق الكثير من الأهداف الاقتصادية التي تتنوع بين زيادة وتطوير الإنتاجية الزراعية وحتى تشييد البنى التحتية العصرية. وقد أشارت دراسات إحصاء موثوقة إلى أن الإنفاق العالمي على البنى التحتية سيبلغ 94 تريليون دولار خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. ولا يمكن للحكومات أن تتولى وحدها حل المشاكل المتعلقة بمجالات كثيرة مثل الصحة العمومية وتحقيق الأمن الوطني ومعالجة مشاكل الفقر. وقد اتضح أن جهودها في حل هذه المشاكل عادة ما تكون محدودة التأثير وغير مكتملة الأركان. ومن أجل تدارك هذا القصور، تكون الشراكة الحكومية مع شركات القطاع الخاص ضرورية ومفيدة لكافة الأطراف لسبب بسيط لا يختلف عليه اثنان هو أن القطاع الخاص غالباً ما يتفوق على القطاع العام في الخبرة المتعلقة بإدارة المصادر وزيادة الإنتاجية والتحكم في التكاليف واستخدام أحدث التكنولوجيات وأكثرها تطوراً لحل مشاكل العمل والإنتاج. وكان من المهم أننا عثرنا على الطرق المناسبة لتشجيع الحكومات العالمية على بناء الشراكات القوية مع القطاع الخاص، وتحفيز أرباب العمل على التفكير بفعالية أكبر في التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات. وعندما تتعرض التحالفات الدولية لقوى الشدّ والجذب، يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تتحمل عبء إعادة تصحيح الأمور مثلما يحدث الآن فيما يتعلق بطريقة معالجة ظاهرة التغير المناخي. وعندما أعلن دونالد ترامب عن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس المناخية، تعالت أصوات المديرين التنفيذيين في معظم شركات القطاع الخاص لتعلن أن هذا القرار لن يكون له أي تأثير على جهودهم الرامية إلى خفض الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة التي تعمّق من آثار التغير المناخي، وبادروا إلى زيادة استثماراتهم في تطوير مصادر الطاقة النظيفة. وقد أدركوا أن هذه المبادرات ستصب في مصلحتهم ومصلحة الشعوب على المدى البعيد. ------------------ مايكل بلومبيرج* * رجل أعمال وسياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»