عندما ترشح دونالد ترامب لتولي الرئاسة، انتقد السياسات التدخلية لأسلافه الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، مما أثار مخاوف من أنه سيبدأ حقبة جديدة من الانعزالية الأميركية. ولكن في خطابه هذا الأسبوع في الأمم المتحدة، وضع رؤية محافظة واضحة للقيادة الأميركية العالمية النشطة التي تستند على مبدأ سيادة الدولة. وانطلاقاً من رد فعلهم الهستيري، يبدو أن المنتقدين من اليسار يخشون الآن من أن توجهاته ستكون نسخة ثانية من توجهات بوش الابن. وقد وصفت عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية «ديان فينشتاين» خطابه بأنه «متحذلق»، بينما قالت النائبة الديمقراطية «باربارا لي» إن الخطاب يمثل «تنازلاً عن القيم». وقالت هيلاري كلينتون إن الخطاب كان «قاتماً للغاية» و«خطيراً». وهذا هو النقد الليبرالي المألوف لمبدأ السياسة الدولية المحافظة. لقد قال اليسار من قبل الكثير من هذا النوع عن سياسة الرئيس الأسبق ريجان. وفي نيويورك، دعا ترامب الدول المسؤولة للانضمام إلى الولايات المتحدة في التصدي لما وصفه بـ«بلاء مجموعة صغيرة من الأنظمة التي لا تحترم مواطنيها ولا الحقوق السيادية لدولها». وقال ترامب إن هذه المهمة يمكن إنجازها فقط إذا اعترفنا أن «الدول الوطنية ما زالت هي أفضل وسيلة لتحسين أحوال البشرية». وهو محق. فالشيوعية والفاشية لم تهزما من قبل الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية ليست، في رأيي الشخصي، هي من أنجز التوسع الهائل لحرية وازدهار البشرية في ربع القرن الماضي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي! ولكن من ألهم ومكن لانتشار السلام والديمقراطية والحرية هو استعراض القوة القائم على مبادئ الدول الديمقراطية في العالم، بقيادة الولايات المتحدة! وهذا هو ما نحتاج إليه اليوم -وما وعد به ترامب في خطابه. إنه يعيد صياغة سياسته الخارجية «أميركا أولاً» باعتبارها دعوة ليس للانعزالية ولكن للقيادة العالمية في مقدمة الدول الوطنية المسؤولة. لقد أعلن أنه «إذا كان ما يفعله الكثيرون من الأخيار لا يستطيع مواجهة ما يفعله القليلون من الأشرار، فإن الشر سينتصر» لأنه «عندما يصبح الناس والأمم المحترمة مجرد عابرين في التاريخ، فإن قوى الدمار ستحشد القوة والسطوة». ثم استخدم ترامب موضوع السيادة لتحدي أكبر خصمين جيوسياسيين للولايات المتحدة، وهما الصين وروسيا، وأصر على أنه «يتعين علينا رفض أية تهديدات للسيادة بدءاً من أوكرانيا وحتى بحر الصين الجنوبي». كما وجه الرئيس أيضاً رسالة واضحة إلى كوريا الشمالية. وقال إن «كيم في مهمة انتحارية لنفسه ولنظامه». وأوضح أن «الولايات المتحدة لديها الكثير من القوة والصبر، ولكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها فلن يكون أمامها خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل». وقد هزت هذه الرسالة البعض، وكان هذا هو هدفها. وخلال الحرب الباردة، كان الزعماء السوفييت يعتقدون حقاً أن ريجان كان يجهز للحرب، وقد يطلق الضربة الأولى بالفعل. وهذا الاعتقاد كان أحد الأسباب التي منعت قيام حرب كارثية. وإذا كنا نأمل أن نتجنب الحرب مع كوريا الشمالية اليوم، فإن نظام بيونج يانج يجب أن يصدق ويفهم أن ترامب في الواقع، كما قال في الأمم المتحدة، «مستعد وراغب وقادر» على القيام بعمل عسكري. وكان خطابه القاسي يستهدف ليس فقط بيونج يانج ولكن أيضاً الصين وغيرها من الدول التي يعد تعاونها للضغط على ذلك النظام ضرورياً للوصول إلى حل سلمي. ويجب أن تتبع هذه الكلمات خطوات ملموسة، باستثناء التدمير الكامل بالفعل، ليوضح أنه جاد حقاً، وأن كوريا الشمالية لن يسمح لها بتهديد المدن الأميركية بالأسلحة النووية. كما وضع ترامب نفسه أيضاً مباشرة على جانب الأخلاقي في السياسة الخارجية، ووقف صراحة مع من يسعون إلى الحرية في جميع أنحاء العالم. ووعد بدعم «الحلم الدائم للشعب الكوبي بالعيش في حرية». وأعلن أن «الأنظمة القمعية لا يمكنها الصمود إلى الأبد». ووبخ النظام الإيراني لأنه يخفي «ديكتاتورية فاسدة خلف مظهر كاذب للديمقراطية»، في الوقت الذي وعد فيه بالوقوف مع «شعب إيران الطيب الذي يريد التغيير». وعارض حليف إيران، «النظام الإجرامي لبشار الأسد» في سوريا، الذي «هز استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد مواطنيه، وحتى الأطفال الأبرياء، ضمير كل شخص كريم». وجاءت أفضل لحظة له عندما تحول إلى ما أسماه بـ«الديكتاتورية الاشتراكية» للرئيس «نيكولاس مادورو»، حيث أعلن أن «المشكلة في فنزويلا ليست أن الاشتراكية لم تنفذ بشكل جيد، بل إنها نفذت بإخلاص». ووعد ترامب بمساعدة الشعب الفنزويلي «لاستعادة حريته وبلاده واسترداد ديمقراطيته». وهذه هي النزعة الدولية الكلاسيكية المحافظة: دفاع قوي عن الحرية، وتحدٍ جريء للديكتاتوريين الخطيرين، والتزام بمبدأ السلام من خلال القوة. ولا عجب أن منتقدي ترامب من اليسار مستاؤون للغاية. ------------------- * زميل في معهد «أميركان إنتربرايز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»