المعجبون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الأميركيين يرونه في كل شيء نفتقده في ترامب، فالرئيس الجديد شاب وجذاب ويهتم بقضايا المناخ ويمتلك سلطة قضائية في البرلمان، وباختصار فإن ماكرون يمثل ما افتقده الديمقراطيون هنا في الولايات المتحدة. لقد استطاع الفرنسيون أن يتفادوا مشكلة خطيرة، لكننا لم نتمكن من ذلك، فالرئيس «ماكرون» ينبع من المد الوطني الذي يجتاح أوروبا، واستطاع أن يعيد النظام إلى العالم الحر الذي يعاني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» وترامب. وحيث إن «الجبهة الوطنية» بزعامة مارين لوبان كانت هي البديل الوحيد في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية هذا العام، فقد كان «ماكرون» هو الخيار الصحيح والضروري، ورغم ذلك يجب أن يحذر الأميركيون من تطوير علاقة حبهم بالرئيس الفرنسي الجديد: فعلى أي حال، لا يقدم «ماكرون» مخططاً تقدمياً حقاً يجب علينا أو حتى يمكننا أن نحاكيه هنا. وقد سارع الليبراليون الأميركيون لتبني ماكرون، فأثناء الانتخابات الفرنسية، كان الرئيس السابق باراك أوباما يؤيده رسمياً. وتصوير هذا ببساطة باعتباره محاولة لمنع «لوبان» سيكون بمثابة نصف الحقيقة: فقد حاول أوباما التواصل قبل الجولة الأولى، حيث كان هناك مرشح أكثر تقدمية اسمه «جان لوك ملنشون» سيفوز بأصغر شريحة من الناخبين بين السكان. لم يكن أوباما يفضل الأقل شراً، بل كان يتبنى بلا خجل السياسة المركزية. وكما ذكر المعلق السياسي «جوي آن ريد»: «لقد وجد ماكرون وسيلة لإحداث توازن بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف أو بين الشعبوية والاشتراكية. إنه ليبرالي من الناحية الثقافية لكنه عملي من الناحية الاقتصادية». وقد ذكرت «نيرا تاندن»، رئيس مركز التقدم الأميركي، وهي زعيمة أخرى في المؤسسة «الديمقراطية»، أن ماكرون يقدم نموذجاً للتقدميين هنا. وقد امتد الحماس له إلى المستوى الشعبي. في البداية بدا المؤيدون الليبراليون لماكرون أنهم حصلوا على ما يساومون من أجله، فقد واجه ماكرون ترامب، وأعرب علانية عن خلافه معه بسبب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وقال: «فلنجعل كوكبنا عظيماً مرة أخرى». وكانت هناك مصافحة استباقية مثيرة مع ترامب أظهرت حزمه. ولكن إذا نظرنا عن قرب، ستبرز صورة أكثر تعقيداً لسياسة ماكرون. بداية، لقد فاز في الانتخابات بتفويض ضعيف حيث امتنع ثلث الفرنسيين عن الإدلاء بأصواتهم أو تركوا بطاقة الاقتراع بيضاء. وفاز حزبه «الجمهورية إلى الأمام» بأغلبية ساحقة في البرلمان ولكن وسط إقبال منخفض. هذا التفويض الضعيف، جنباً إلى جنب مع جهوده الرامية إلى الدفع بإصلاحات مثيرة للجدل في مجال العمل، دون مناقشة في البرلمان، لا يبدو ديمقراطياً بشكل عميق. وشدد ماكرون على إحداث تخفيضات ضريبية للشركات والحد من الإنفاق العام. وعندما تحدث رئيس وزراء فرنسا الجديد «إدوارد فيليب» لصحيفة فاينانشيال تايمز وقيل له إن هذه تدابير يمينية، انفجر فيليب ضاحكاً ورد: «نعم، ماذا تتوقعون؟» لقد بذل ماكرون جهوداً متضافرة لجذب رؤوس الأموال إلى فرنسا، لا سيما من المصرفيين الحذرين من «بريكست». ماكرون انتقد علانية تواطؤ فرنسا الاستعماري في الجزائر فقط لكي يعتذر بعد أن أثارت تعليقاته ضجة. وفيما يتعلق بالبوركيني الفرنسي، يعتقد أن الثوب ليس دينياً لكنه رمزي، ويتعارض مع المساواة بين الجنسين، ومع ذلك فهو يعتقد أنه من الخطأ أن يتم منع «البوركيني» بالقوة. ومن غير الواضح ما إذا كانت سياسة ماكرون تخبئ تياراً وطنياً كارهاً للأجانب يتغذى على السخط الاقتصادي، ومع ذلك لا ينبغي أن ينظر «الديمقراطيون» في الولايات المتحدة إليه باعتباره النموذج التقدمي الذي يجب محاكاته. إن انجذاب المؤسسة «الديمقراطية» لماكرون يغذيها الحنين إلى عهد ماض. دانيل خوسي كاماشو* *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»