استراتيجية بقعة الزيت ذات مقولات ومصطلحات تستخدم كوسيلة ناجعة في وجه مظاهر القتال والمقاومة ضد التدخلات العسكرية الأجنبية في الدول الأخرى. وفي هذه المرحلة من تاريخ علم السياسة خبا نجم استخدام هذه الاستراتيجية إلى حد ما ربما بسبب كون أصولها تكمن في الحروب التوسعية للإمبراطورية الفرنسية في دول العالم النامي التي اندثرت منذ زمن طويل، لكن المصطلح استخدم لأول مرة من قبل الجنرال «هيوبرت لايوتي» عام 1902 عندما قام برسم سياسة جديدة للغزو الاستعماري الفرنسي للمغرب، وقبل ذلك بسنوات قليلة استخدمت فرنسا هذه الاستراتيجية ونفذتها على يد الجنرال «جوزيف غاليني» ومساعده «هيوبرت لايوتي» في توسعة الإمبراطورية الفرنسية في الهند الصينية ومدغشقر خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، ففي ما بينهما قام الجنرالان «غاليني» و«لايوتي» بصياغة مقولة فريدة حول الحروب الاستعمارية التي فصلت الاستراتيجية العسكرية عن الوسائل التقليدية الموروثة عن الحقبة النابليونية. ومع تطور الزمن صارت فكرة استراتيجية بقعة الزيت في أوقاتنا الحاضرة تعود إلى قيام دولة أو مجموعة دول متحالفة عسكرياً بتوفير أمن مستمر في مناطق محددة تتدخل فيها وتسيطر عليها عسكرياً في دولة أخرى، ومنع الأطراف التي تحمل السلاح ضدها وتقاتل قواتها، أياً كان مسمى تلك الأطراف - مقاومة، إرهابية، حرب عصابات أو أمراء حرب من القدرة على الحصول على التأييد الشعبي والموارد البشرية والمادية اللازمة لها، ثم بعد ذلك التوسع في مناطق أخرى جديدة في الوقت المناسب، بنفس طريقة انتشار بقعة من الزيت على سطح ماء راكد، وهذا النوع من الاستراتيجيات يقوم أساساً على مبدأ أن جدارة حيازة قوات عسكرية خفيفة متحركة يشكل أمراً أساسياً ولازماً لأنه مفيد جداً في هزيمة المقاتلين المحليين لقوات الدولة أو التحالف الموجود، لكن تلك القوات العسكرية الخفيفة المتحركة يجب أن تستخدم وفقاً لقيود وضوابط محددة بغض النظر عن نشرها والسماح لها بالقتال، فعدم السيطرة الميدانية والأخلاقية عليها قد يؤدي إلى التدمير والفوضى، وإلى إثارة نقمة السكان المحليين. ومن جانب آخر، استراتيجية بقعة الزيت تحتاج إلى قنوات جيدة لمصادر المعلومات المتدفقة، وهو أمر غالباً ما يحدث عندما تتمكن الدولة أو التحالف المتدخل عسكرياً من السيطرة على تعقيدات السياسات المحلية وتشكيل تحالفات وجسور مع الجماعات المحلية المناسبة كالقبائل والتشكلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية ومجموعات معينة من أصحاب المصالح، أو مجموعات معنية من رجال حرب العصابات المناوئين لنظام الحكم القائم، ولكي تنجح هذه الاستراتيجية تحتاج إلى عامل الزمن الذي لا يقل عن عشر سنوات من الالتزام العسكري والفكري والأخلاقي، وإلى عامل مادي من المبالغ المالية الضخمة، وقد يدخل فيها أيضاً خسائر بشرية ليست في الحسبان للمتدخلين وبقاء طويل الأمد لقواتهم العسكرية وجهودهم الخاصة ببناء الدولة-الوطنية والاقتصاد والمجتمع على أسس جديدة، تختلف بقدر كبير عن كل ما سبق وكان قائماً. ويعود السبب في ذلك إلى أن تلك الجهود تدخل في نطاق القضاء على الجهات التي تقاوم التدخل الخارجي، وردع الفئات المحلية القديمة الطامعة في السلطة السياسية والسيطرة على ثروات البلاد ومقدراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتأمين الاستقرار السياسي والمجتمعي وتحقيق الأهداف الشاملة للمتدخلين أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وإذا تمت عملية إقامة التوازنات الصحيحة بين القضاء على المقاومين أو على الأقل تحجيمهم، ومكافأة الحلفاء والمتعاونين، فعندها يمكن كسب التأييد المحلي وقلوب وعقول الوطنيين ونقل السلطة بالكامل وتثبيتها في يد أصحاب الدولة التي يتم التدخل فيها، وهذا يعني أن استراتيجية بقعة الزيت تتطلب من السياسات العسكرية والمدنية أن تعمل بتناغم شديد لكي تحافظ على القطر المتدخل فيه وتعيد الأوضاع إلى طبيعتها وتكسب تعاون سكانها عن طريق منحهم نصيباً وافراً في كل ما يدور، وبالتأكيد أن قياس النجاح في مثل هذه العمليات المعقدة يحتاج إلى خبراء يضعون مؤشرات تجريبية لقياس مدى النجاح في تحقيق الأهداف المرسومة مع الأخذ بعين الاعتبار العوائق التي تكمن في طريق تحقيقها، والاعتماد الأهم يكمن في التنظيم والإدارة الكفؤة. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي