في 4 أكتوبر من عام 1957 أصيبت أميركا بصدمة «السبوتنيك» حين تفوق السوفييت في علوم الفضاء، فأرسلوا أول قمر صناعي بقطر 58 سم، ووزن 83.6 كغ، يسابق القمر بسرعة 28.8 ألف كم/ ساعة، يطوف المدار الأرضي على شكل قطع ناقص كل 96.2 دقيقة، فحلقوا في المدار وأميركا تتفرج. كان الرئيس الأميركي يومها «دوايت آيزنهاور»، فاستدعى نخبة القوم للتصرف. وكان الجواب ولادة مشروع سري هو «داربا» DARBA، وهي كلمة رمزية مكونة من الحروف الأولى في خمس كلمات تعني «وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة». وكان السؤال الأميركي الأول: كيف وصل الروس إلى المدار؟ وما هي التقنية والمعلومات التي بين أيديهم؟ فقالوا إنه نظام التعليم، فقاموا بثورة في التعليم. وهو البند الأول في النهضة، ضمن مثلث مكون من ثلاثة أضلاع: التعليم والأفراد والمؤسسات. وكان الجواب الثاني هو بناء مؤسسة الفضاء المعروفة باسم «ناسا»، ويومها قال كينيدي لن يحل علينا يوم الاستقلال الأميركي إلا وقد وصل رجل أميركي إلى القمر، وهو ما كان. وتم إصلاح نظام التعليم وبنيت مؤسسة «ناسا»، فأن يسبح الروس فوق رؤوسهم، فهذا يحمل تهديداً بأن تمطر السماء عليهم بالمقذوفات. قال القوم نحن مقدمون على حرب عالمية ثالثة لا ريب فيها، فكيف سيتواصل الدماغ الحكومي في ساعة الصفر؟ هنا قاموا ببناء نظام اتصال لاسكي يبث المعلومات ويوصل الخبراء والمسؤولين بعضهم ببعض. وهذا النظام هو «الآربانيت». ثم مط الزمن مع الحرب الباردة، إلى حين تفكك النظام السوفييتي الشمولي، فلم يعد ثمة مبرر للسرية، فتحول النظام إلى العلنية واستخدمها القوم، كما أتذكر من صديقي الدكتور «شابسغ» حين أطلعني على ما عرف بشارع المعلومات، وهو اليوم نظام الإنترنت الذي أكتب من خلاله مقالتي هذه، فأرسلها بطرفة عين. وهناك أمر أخطر ولد من أفرع هذه الوكالة السرية، التي جند لها خيرة العقول ووافر الأموال، قالوا: مستودعات القنابل الذرية في الاتحاد السوفييتي يجب الإجهاز عليها إذا قامت القيامة النووية! وتحضرني في هذا المقابلة التي أجرتها مجلة «در شبيجل» الألمانية مع الخبير النووي «لي بتلر»، حيث قال إنه كان هناك 12500 هدف في الاتحاد السوفييتي للمسح من الخريطة! وصعد الأميركيون على ظهر الغمام وطوروا نظام استكشاف ذكياً يشمشم مواقع القنابل الذرية الروسية «مكان الاختبارات الرئيسي كان في صحراء سيمابالاتنسك» لقصفها بالقنابل الهيدروجينية (المشروع السري 57). ومؤسسة «داربا» لا تنام فهي حالياً قد خصصت مبلغ 3 مليارات دولار لمشروع جديد لفهم الدماغ فهو أعظم سر في الوجود، وهل يمكن قراءة أفكار الإنسان من كهربائية الدماغ؟ وهذا بحث ممتع جداً منذ أن نجح الألماني «هانز بيرجر» في تصميم أول جهاز تخطيط دماغ كهربي (EEG) بتكبير موجات الدماغ مليون مرة ورصدها وكتابتها على الورق وتفسيرها. والروس بارعون في التجسس. فقد ردوا على التفوق الأميركي بالدخول على ختم السفارة الأميركية الأهم في تصديق الوثائق الخطيرة (اعتمد منذ عام 1782م) وحشر جهاز مخفي يتم تحريضه بموجات راديوية من مصدر بعيد فيرسل ماشاء من الوثائق المهمة إلى ستالين. واستمر التسريب سبع سنين(1945-1952) ينقل ما يفكر فيه الأميركيون مثلاً في أزمة برلين 1948، والحرب الكورية 1950، حتى اهتدى إليها مهندس بريطاني بالصدفة فاكتشف خبراء أميركا حجم الاختراق.