حين كنت صبياً صغيراً في بيت لحم لطالما كان يسعدني أن يكون لدى أسرتنا ضيوف. وكان والدي وهو رجل دين مسيحي يصطحبنا وضيوفنا إلى الخليل. ونذهب مع والدي إلى مغارة تقع داخل نطاق المسجد الإبراهيمي، والتي يعتقد أن خليل الله إبراهيم، عليه السلام، وأسرته قد دفنوا فيها. وبالنسبة لنا كأطفال، لم تكن الزيارة للخليل تكتمل إلا بشراء بعض الكروم الرائع والتين المجفف، وكنا نحب أيضاً مشاهدة مصنعي الزجاج من عمال الخليل المهرة الذي كانون يبدعون أشكالاً رائعة من الزجاج أمام أعيننا. وبالنسبة لي فإن قداسة الموقع وعمقه الحضاري تمثل أسباباً كافية لأن تختاره (اليونسكو) مطلع شهر يوليو الماضي ليكون أحد مواقع التراث العالمي، فالواقع أنه في ظل وجود الأسلاك الشائكة وأجهزة استكشاف المعادن والجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح والمستوطنين أصبحت زيارة الموقع واقعاً ليس سعيداً، وسكان الخليل محظور عليهم أيضاً دخول مناطق كثيرة في البلدة القديمة من الخليل منها شارع الشهداء الذي يحظر الجيش الإسرائيلي دخوله على الفلسطينيين. ووقوع مذبحة في المسجد الإبراهيمي على يد مستوطن يهودي قتل فيها 29 مصلياً فلسطينياً عام 1994 يسوغ قرار يونسكو الذي وصف بلدة الخليل القديمة بأنها موقع معرض للخطر. وأُدرجت بلدة الخليل القديمة في قائمة يونسكو لمواقع التراث العالمي بعد موافقة 12 صوتاً مقابل امتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت رغم الضغوط الإسرائيلية وقرار الإدلاء بالأصوات سراً. وحرص مؤلفو القرار الذين لم يأخذوا مسألة الدين في اعتبارهم على إعطاء البلدة القديمة والأماكن المقدسة فيها ما تستحقه. وكلمات القرار صحيحة سياسياً وتغطي الخلفية التاريخية للموقع ولا تتجاهل أهميته الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين، وأجيز القرار يوم الجمعة السابع من يوليو الماضي في بولندا وحصد أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره، وكان مسؤولون إسرائيليون قد منعوا وفداً من يونسكو يوم 26 يونيو من زيارة الخليل. وهاجم نتنياهو القرار ووصفه في تدوينة على فيسبوك بأنه «وهمي» قائلاً: «هذه المرة قرروا أن مغارة المكفيلة في الخليل موقع فلسطيني مما يعني أنه ليس يهودياً». داوود كتّاب* *صحفي فلسطيني وأستاذ الصحافة السابق في جامعة برنستون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»