قبل بضعة أيام أكدت محكمة النقض المصرية الحكم الصادر ضد الرئيس المصري المخلوع بأمر الشعب «محمد مرسي» في قضية التخابر مع قطر، بحكم السجن المؤبد. ما الذي جرى بالضبط؟ وما هي ملابسات القضية؟ أحد أفضل من قدم إحاطة واسعة عن المشهد، ويشعر المرء أن سطوره لابد وأن تنقل للقراء حول العالم الأستاذ عادل حمودة الكاتب الصحفي المصري عبر «كتاب اليوم» الصادر عن «دار أخبار اليوم» في مصر، وقد جاء تحت عنوان «الصلاة في جزيرة الشيطان.. ملفات اللعبة واللعنة ببصمات قطرية». عن أي جزيرة يتحدث الأستاذ حمودة؟ هل عن الإمارة التي لا تعدو جغرافيا أن تكون جزيرة ضئيلة في المياه الخليجية، أم عن جزيرة الشيطان الإعلامية؟ الجواب يحتمل الأمرين معاً. السؤال المهم والحيوي الذي يلفت اليه صاحب الكتاب هو «كيف تورط مرسي في قضية التخابر في حين كان مسجوناً وقت أن كُشفت الجريمة؟». بحسب صفحات الكتاب أنه ما أن دخل مرسي قصر الاتحادية رئيساً في أول يوليو 2012، حتى عين أحمد عبد العاطي مديراً لمكتبه وعين أمين عبد المجيد الصيرفي في السكرتارية وتأشر «بعدم الاستعلام أمنياً» عنهما بعد ان سلمهما مهمة تلقي وحفظ الوثائق الرسمية». النوايا السوداء والخبيثة لمرسي في القصر تبدت منذ الأيام الأولى لدخوله المشؤوم هناك، ففي أول يوليو استدعى مرسي قائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب عبد السلام، وطلب منه كل ما هو متوافر من معلومات وخرائط ورسومات وخطط تتعلق بالقوات المسلحة، فاستجاب الرجل إليه ووضع بين يديه ثماني وثائق تمس أسرار الدفاع وأمن البلاد. السؤال الحيوي: ماذا في الوثائق التي تلقاها مرسي من كبير الحرس «الجمهوري» في القصر الرئاسي، والرجل كان ينفذ التعليمات دون تجاوز؟ باختصار غير مخل كان فيها التالي: تشكيل القوات البرية المصرية. الحجم العام للقوات الإسرائيلية. البيانات السرية عن إسرائيل. مراكز القيادة والسيطرة في إسرائيل. رسم كروكي لجدار الموت الذي ستبنيه إسرائيل على الحدود مع مصر. المقترحات الإسرائيلية لتبادل الأراضي. قوة «حماس» في تأمين غزة. القوات المصرية والقوات الإسرائيلية والقوات متعددة الجنسيات. التواجد العسكري الأميركي بالمنطقة.. تطورات الأوضاع على الحدود مع غزة. أماكن تواجد الفلسطينيين في مصر عقب اجتياح رفح عامي 2007 و2008 بتدبير من «حماس». جاءت هذه المعلومات إلى الحرس «الجمهوري» من إدارة الاستطلاع في المخابرات الحربية، وما أن وصلت إلى مرسي حتى قرر الاحتفاظ بها لنفسه، ولم يقم باعادتها لقائد الحرس، على الرغم من أنه طلبها منه خمس مرات وتركها عرضه للإباحة، مع علمه بخطورتها وإدراكه أنها معلومات لا يحق لأحد غير الرئيس الاطلاع عليها، وكان يجب حفظها في إدارة الحرس «الجمهوري»، ولو فعل ذلك ما تسربت خارج الرئاسة فيما بعد، وأصبحت متاحة لبيعها إلى قطر مما يعني أنه شارك في الجريمة وأصبح متهما فيها. ماذا جرى لاحقاً؟ جوهر ما حدث أن عبد العاطي مدير مكتبه نقل تلك الوثائق في حقائب إلى خارج قصر الرئاسة ترك بعضها عند ابنته كريمة، والبعض الآخر عند زوجة وزير العمل والثالثة سلمت إلى أسماء الخطيب الصحافية في الموقع الاخواني «رصد»، التي تعرفت عليها كريمة وهي تغطي أخبار اعتصام رابعة. أدركت أسماء أن لديها في الحقيبة من المعلومات صيداً ثميناً يمكن الاستفادة منه ببيعه لمن يدفع أكثر، وعليه جرى التواصل مع قطر عبر بعض العاملين في «جزيرة» الشيطان الإعلامية، لتسليمها مقابل مليون دولار للمخابرات القطرية، تلقى الوسيط 50 ألفا منها وتم تكليف مضيف جوي مصري «إخواني» على خطوط مصر للطيران لنقلها لقطر. شاءت العناية الربانية أن تضبط الحقائب وبها الوثائق قبل التسليم من خلال معجزة لم تخطر على بال أحد، إذ اتصلت زوجة أحد المتهمين بالأمن الوطني وكشفت المؤامرة بكامل تفاصيلها وأفرادها، أما السبب فإن زوجها الذي جرت في يده الدولارات قرر الزواج عليها. القصة مليئة بالتفاصيل غير أنها في كل الأحوال تكشف لنا أن تعبير «طظ في مصر» الذي صرح به مهدي عاكف مرشد «الإخوان» قبل الأخير، إنما هو حقيقة تجري في دماء «الإخوان» جيلاً بعد جيل، فكلهم رضع من حليب الخيانة «الإخوانية» المسموم، وساروا جميعهم في نفس طريق الهاوية. فيما الأمر الآخر يكشف دناءة قطر التي أصيبت بالارتباك والحسرة بعد انكشاف أمر القضية، ولم تشعر بالخجل كما يقول الأستاذ حمودة، بل تمادت في غيها مواصلة التجريح في مصر عبر أفلام مزورة عن قواتها المسلحة، ومؤامرات ليل نهار من «جزيرة الشيطان» بشقيها على أمل أن تتفتت مصر إلى دويلات أصغر من حجم قطر، ذلك السبب الرئيسي لأزمتها النفسية. الحكم صدر ضد مرسي وقضي الأمر، أما نظام الحكم في قطر فبدوره ينتظر حكماً نهائياً من الشعب القطري ومن الأشقاء ومن المجتمع الدولي حكماً مفاده «انزعوا الخبيث من بينكم». *كاتب مصري