أحد الأسباب التي تجعل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمثل هذا الإصرار على إعادة النظر في اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو الاتفاق النووي الإيراني، هو قلقها من جهود إيران لتحسين وتطوير برنامجها الصاروخي. ووفقاً للبنود التي جاءت في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي أُقر يوم 29 يوليو عام 2015، والذي دعم تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، طلب الاتفاق من إيران «ألا تقوم بأي نشاط يتعلق بالصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية». وترى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أن اختبارات الصواريخ التي أجرتها إيران منذ ذاك التاريخ «لا تتسق مع» القرار 2231، بل تعارضه كلياً. وإيران لا توافق على هذا، كما أن روسيا والصين لا تدعمان الانتقادات الغربية. وفي أول كلمة لترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، أوضح الرئيس الأميركي أن كوريا الشمالية وإيران تمثلان تهديدات رئيسية للولايات المتحدة والعالم. وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، قال ترامب وهو يقرأ بحرص من نص معد سلفاً: «الولايات المتحدة لديها الكثير من القوة والصبر، لكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو حلفائها فلن يكون أمامها خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل». وفيما بدا أنه هجوم مبطن موجه للصين، أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية، قال ترامب: «من المشين أن بعض الدول لا تكتفي بالتعامل التجاري مع هذا النظام فحسب، بل تسلح وتدعم مالياً بلداً يعرِّض العالم لخطر صراع نووي». وفيما يتعلق بإيران، أعلن ترامب دون مواربة أنها «دولة مارقة مستنزفة اقتصادياً»، وأن صادراتها الرئيسية هي الإرهاب. وأشار ترامب إلى أنه على العالم ألا يسمح لـ«نظام قاتل» أن يواصل أنشطته في إنتاج صواريخ خطيرة. وأدان ترامب من جديد الاتفاق النووي الإيراني ووصفه بأنه واحد من أسوأ الاتفاقات على الإطلاق التي أبرمتها الولايات المتحدة. ووصف هذا الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه باراك أوباما بأنه مصدر إحراج، وألمح إلى أنه قد لا يصدِّق عليه عندما تنقضي مهلة مراجعته في منتصف أكتوبر المقبل. ومضى يقول: «لا يمكن أن نلتزم بأي اتفاق يوفر غطاءً لتطوير برنامج نووي في نهاية المطاف»، مضيفاً أن الحكومة الإيرانية «تخفي خلف قناع الديمقراطية نظاماً دكتاتورياً فاسداً». ورد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة على تويتر، بأن خطاب ترامب «ينتمي للعصور الوسطى لا للأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين». ولا يقتصر قلق الولايات المتحدة، وكثير من حلفائها، على القدرات الكامنة لامتلاك إيران وكوريا الشمالية لصواريخ وأسلحة نووية. والواقع أن الصواريخ التي يمكن تزويدها برؤوس حربية تقليدية تمثل سلاحاً فتاكاً من أسلحة الإرهاب تستطيع التسبب في خسائر اقتصادية كبيرة حتى لو افتقرت إلى الدقة في التصويب. وكانت ألمانيا النازية أول من استخدم صواريخ أرض- أرض بأعداد كبيرة في الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. وأطلقت ألمانيا 1400 صاروخ من طراز «في-2» المزودة برأس يزن طناً على لندن. وتسببت هذه الصواريخ في مقتل وإصابة تسعة آلاف مدني، كما تسببت في قلق هائل وعملية ترحيل جزئية من العاصمة البريطانية. وأُطلق نحو 2600 صاروخ من طراز «في-2» على مدينة انتويرب البلجيكية، ميناء الإمداد الرئيسي للحلفاء. وأثناء الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988 تبادل الجانبان إطلاق صواريخ من طراز «سكد» على العاصمتين طهران وبغداد، عام 1985، فيما عرف باسم «حرب المدن»، مما تسبب في أضرار قليلة، لكن تأثيره على معنويات المدنيين كان هائلاً. وفي عام 1991، أطلق العراق أكثر من 90 صاروخاً غير دقيق التصويب من طراز «سكد» مزود بمتفجرات تقليدية على إسرائيل. ولم تصب الصواريخ أهدافاً مهمة، وإن كانت قد أضرت بالاقتصاد وتسببت في قلق شديد وسط السكان. ولدى إيران حالياً أكبر مخزون أسلحة في الشرق الأوسط، يتضمن صواريخ أرض- أرض وصواريخ كروز، وبرنامجاً فضائياً يعتمد على الصواريخ التي بوسعها نقل الأقمار الصناعية إلى الفضاء. وإلى هذا، فقد أمدت إيران «حزب الله» في لبنان بآلاف الصواريخ التي تمكن الجماعة الشيعية المسلحة من إصابة معظم الأهداف المدنية في إسرائيل. ونتيجة لهذا، يهتم عدد كبير من الدول في المنطقة بالاستثمار في عمليات تطوير كبيرة لإمكانياتها الخاصة بصد الصواريخ ودعم قدراتها القتالية الجوية لاستهداف المواقع الصاروخية الإيرانية. وحذرت طهران من أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فحينها ستكون إيران غير مقيدة بالاتفاق وتستطيع بناءً على ذلك استئناف برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية الذي تجمد إلى حد كبير عام 2015. والنتيجة ستكون على الأرجح سباق تسلح مكتمل العناصر في الشرق الأوسط، حيث تسعى دول أخرى، بخلاف إيران وإسرائيل، إلى الحصول على أسلحة نووية. وهذا سيتمخض عن أكثر الأوضاع خطورة، ويهدد الاستقرار الدولي والاقتصاد العالمي تماماً مثل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية.