إن كل ركائز رئاسة دونالد ترامب تقريباً -الهجرة والوظائف وعدم الثقة في الحلفاء وتصوير واشنطن كمستنقع جشع وغير فعال- من الممكن أن تعزى إلى أحد معتقداته الأساسية: أن معظم مشكلات أميركا هي بسبب بقية العالم. لقد أشار إلى ذلك أو قاله بصراحة تقريباً في كل خطاب دولي كبير أدلى به منذ أن أصبح رئيساً للبلاد، بما في ذلك تصريحاته يوم الثلاثاء في الأمم المتحدة: «سأضع دائماً أميركا أولاً تماماً كما يجب عليكم أيها القادة أن تضعوا بلادكم دائماً في المقدمة». وأثناء حملته الانتخابية، كان يربط تقريباً كل قضية من قضاياه الأساسية بعقيدة «أميركا أولاً»، التي تستند على فكرة أن أميركا تكابد مشكلات منشؤها بقية العالم. ففيما يتعلق بالمهاجرين الذين يعبرون الحدود الأميركية- المكسيكية، قال ترامب: «عندما ترسل المكسيك شعبها، فإنها لا ترسل أفضل ما فيه. بل ترسل أشخاصاً لديهم الكثير من المشاكل، وهم يجلبون إلينا هذه المشاكل. إنهم يجلبون المخدرات والجريمة. إنهم مغتصبون. وبعضهم، بحسب ما افترض، أشخاص طيبون»، بحسب ما جاء في الإعلان الرئاسي في يونيو 2015. وفيما يتعلق بالوظائف المتوافرة في الولايات المتحدة، قال ترامب في مقابلة مع «ماجي هيبرمان» و«ديفيد سانجر» من صحيفة «نيويورك تايمز» في مارس 2016 «إنها ليست وظائف جيدة، إنها وظائف سيئة. ونحن نخسر، كما تعلمون، عندما ترون ناقلة تتحرك إلى المكسيك. إننا نخسر الوظائف الجيدة». أما عن التجارة، فقد ذكر ترامب في خطاب في يونيو 2016 في «ريدينج» بكاليفورنيا: «إننا لا نضع أميركا أولًا. إنا عندنا مفاوضين تجاريين رهيبين. إنني بالفعل أعتقد أنهم ليسوا أغبياء كما قد يعتقد بعض الناس. أعتقد أنهم فعلاً يريدون مساعدة الآخرين. إنهم يريدون مساعدة الجميع ما عدا بلادنا. إننا سنتبع سياسة أميركا أولاً. اجعلوا أميركا أولًا». وعن السياسيين، قال ترامب أيضاً في خطاب ألقاه في مارس 2016 أمام المنظمة اليهودية في أميركا «آيباك»: «سنضع أميركا أولًا، وسنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى. هذه الانتخابات ستقرر ما إذا كنا نُحكم من قبل الشعب أو السياسيين». وفيما يتعلق بالمشاركة في الخارج، قال ترامب كذلك في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في مارس 2016: «لقد تم التقليل من شأننا والسخرية منا وسرقتنا لسنوات عديدة من قبل أناس أكثر ذكاء وبراعة وصرامة. لقد كنا الأقوى، ولكن لم تتم قيادتنا بذكاء وكنا نتعرض للسرقة من قبل الجميع». ويختلف المدققون في الحقائق واقتصاديو التيار السائد مع العديد من الإحصاءات التي يستخدمها ترامب لتشكيل هذا الرأي عن العالم. فالعجز التجاري ليس هو أفضل طريقة لقياس التجارة العادلة. وأعضاء «الناتو» لا يدفعون أقل من اللازم مقارنة بالولايات المتحدة. وكذلك يتعين على ترامب نزع الشرعية عن الأرقام الرسمية للوظائف الأميركية باعتبارها حجة «زائفة» لمحاولة عرض قضيته بأن الاقتصاد الأميركي في حالة من الاضطراب. بيد أن ثمة سؤالاً آخر علينا أن نستكشفه كي نفهم لماذا أصبحت العلامة التجارية «أميركا أولاً» هي الأساس لرئاسة ترامب: لماذا يروج لرؤية عالمية لا تدعمها الحقائق؟ ولاسيما عندما يسير بقية النظام الدولي في الاتجاه المعاكس، ويعمل في ظل اعتقاد سائد مفاده أن فتح الحدود والتعاون هو أفضل طريقة لحماية المصالح الوطنية الخاصة بكل دولة. لقد تفاخر ترامب في مقابلة مع «نيويورك تايمز» في مارس 2016 بأنه يعتقد أن الولايات المتحدة كانت على المسار الخطأ منذ حقبة الحرب العالمية الثانية على الأقل. ولذا، فربما كانت هذه دائماً هي رؤيته للعالم، ولم يكلف نفسه عناء تحديثها بحقائق عن مزايا العولمة. ومع ذلك، فهي نظرة عالمية ملائمة إذا كنت تريد الفوز بحملة رئاسية ضد مرشحين أكثر خبرة. وإذا استطعت إقناع عدد كافٍ من الأصوات بأن الولايات المتحدة كانت على المسار الخطأ طالما كان السياسيون هم المسؤولون، فإن لديك فرصة للفوز. وهذا بالضبط ما فعله ترامب: إلقاء اللوم على السياسيين لأنهم سمحوا لبقية العالم بالسيطرة على الولايات المتحدة، ووعد بعكس المسار والفوز بالرئاسة على رغم كل الصعاب. لقد سمح السياسيون الأميركيون للعالم بالاستفادة من الولايات المتحدة، التي أصبحت الآن في مأزق. وعلى هذين المعتقدين الأساسيين، بنى ترامب تقريباً كل دعامة من دعامات حملته ورئاسته! أمبر فيليبس كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»