هناك مؤشرات عديدة على نية جمهورية مصر العربية الانضمام إلى مجموعة بريكس التي تضم اقتصادات ناشئة مهمة، كالصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ما سيعد تطوراً لافتاً في العلاقات الاقتصادية الدولية، وسيعود بنتائج إيجابية كبيرة على مجموعة «بريكس» وعلى مصر التي تسعى إلى بناء اقتصادها بعد أحداث ما سمي «بالربيع العربي» والتدهور الاقتصادي الذي تسبب فيه نظام «الإخوان المسلمين». وكما هو معروف، فإن هذه المجموعة تضم ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وهو الاقتصاد الصيني، وأول وثالث أكبر اقتصاديين في آسيا، وهما الصين والهند، وواحدة من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط والغاز في العالم، أي روسيا الاتحادية، حيث حجزت مجموعة «بريكس» لنفسها موقعاً مرموقاً في العلاقات الاقتصادية الدولية في فترة زمنية قصيرة، كما أشار إلى ذلك الرئيس الصيني «شي جين بينغ» في كلمته الافتتاحية لقمة «بريكس»، والتي عقدت بداية شهر سبتمبر الجاري بمدينة «شيامن» الصينية، والتي حضرها الرئيس المصري لأول مرة، حيث ذكر الرئيس الصيني أن «بريكس لديها مهام كبرى لتنجزها، وهي نمو اقتصاداتها وتعزيز التعاون فيما بينها، مؤكداً أن عليها تحرير التجارة وفتح الاقتصاد العالمي وخلق قيمة عالمية جديدة، وإعادة التوازن للاقتصاد العالمي واكتشاف وسائل ابتكار غير مكلفة». وفي إشارة إلى إمكانية انضمام مصر دعا «بينغ» إلى توسيع مجموعة «بريكس» بضم أعضاء جدد إليها. وسيشكل ذلك بالنسبة لمصر نقلة نوعية، سواء على مستوى أوضاعها الاقتصادية أو على مستوى علاقاتها الدولية، إذ سيساهم ذلك في انتعاش الصادرات المصرية والتي ستفتح أمامها أسواق كبيرة تضم أكثر من 40% من سكان العالم، مما سيترتب عليه توافر إمكانيات لتنمية العديد من القطاعات الافتصادية، وبالأخص القطاعان الصناعي والزراعي، كما أن ذلك سيساهم مساهمة كبيرة في تنشيط القطاع السياحي المهم للاقتصاد المصري والذي لا زال يعاني الأحداث الماضية. من جانب آخر، فإن انضمام مصر بثقلها العربي والأفريقي لـ«بريكس» سيضيف الكثير للمجموعة التي تسعى إلى إعادة رسم خريطة العلاقات الدولية، بما يتناسب والتغيرات التي حدثت في العالم في العقدين الماضيين واللذين شهدا بزوغ الصين والهند، كقوى اقتصادية كبرى على حساب تراجع المكانتين الأميركية والأوروبية، مما يعني أن ميزان القوى الذي بنيت عليه أوضاع العالم بعد الحرب العالمية الثانية لا بد وأن يتغير ليناسب الثقل الحالي للقوى الدولية. وفي الوقت نفسه، فإن دول «بريكس» يمكنها الاستفادة من السوق المصرية الكبيرة، ومن الكثير من فرص الاستثمار الواعدة، ومن الموقع الاستراتيجي لقناة السويس، ما سيمنحها المزيد من التأثير والثقل الاستراتيجي على المستوى العالمي. بالتأكيد ستواجه عملية الانضمام بعض المصاعب، فأوضاع اقتصادات «بريكس» أفضل من أوضاع الاقتصاد المصري، بما في ذلك نسب النمو والتضخم ومعدلات البطالة، إلا أن الاقتصاد المصري يسير في الاتجاه الصحيح، وبالأخص بعد الدعم الخليجي الكبير، ما يعني أن تلك الصعوبات يمكن تذليلها، كما أن هناك تفاوتاً في الأنظمة والتشريعات، ما يتوجب على مصر القيام بتعديل هذه الأنظمة والتشريعات لتتناسق مع مثيلاتها في دول «بريكس»، وبالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والتجارية المهمة التي ستترتب على انضمام مصر لهذه المجموعة، فإن هناك جوانب أمنية لا تقل أهمية، فعملية الانضمام ستضعف المنظمات الإرهابية التي تحاول تخريب المنشآت الاقتصادية وبث الرعب لتدمير القطاع السياحي، فدول «بريكس» تملك تجارب وخبرات تحتاجها مصر في محاربة الإرهاب والتطرف، إذ ستؤدي عملية الانضمام إلى زيادة التعاون في هذا المجال، ما سيكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية ستساعد مصر كثيراً على تجاوز الأزمات التي تسببت بها أحداث السنوات الماضية.