مخطط السيناتور الأميركي برني ساندرز الجديد للرعاية الصحية، الذي يسمى «ميديكير للجميع»، يريد إزالة التأمين الصحي الخاص وجعل الحكومة تدفع تكاليف كل الخدمات الصحية. غير أن هذا لن يحدث، لكنه يرينا الطريق نحو نظام يمكن أن يشتغل بشكل أفضل: نظام هجين من العام والخاص شبيه بما لدى اليابان. وحتى الآن، قوبل مخطط ساندرز بكمٍّ معتبر من السخرية والتهكم في كل من الكونجرس والإعلام. ومع أنه حصل على دعم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، لكن زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي لم تدعمه. ومن جانبها، كتبت كاثرين رامبل من صحيفة «واشنطن بوست» تتساءل: «ماذا عن الـ178 مليون أميركي الذين لديهم حالياً تأمينٌ صحي يدفع كلفته المشغِّل ومعظمهم معجبون به وراضون عنه؟ وماذا عن مشاعر الصدمة والاستياء التي تنتظر الأفراد والمشغِّلين بسبب الزيادات الضريبية الضرورية من أجل تمويل مثل هذا البرنامج؟ وماذا سيحدث إذا أفلست المستشفيات لأن التعويضات التي يقدمها برنامج ميديكير أقل بكثير من التعويضات التي يقدمها التأمين الخاص؟ والأهم من ذلك: كيف يمكن تمويل هذا الإصلاح الضخم البالغ تريليونات الدولارات؟». يبدو أن مخطط ساندرز المثير للجدل هو مجرد تكتيك للتفاوض السياسي، إذ ثمة اعتقاد واسع بين الديمقراطيين بأنه عندما صاغ الرئيس باراك أوباما مخططه للإصلاح الصحي في 2009، سعى جاهداً لإيجاد توافق يقبله الجمهوريون، ثم انتهى بها الأمر إلى تعديل المخطط من جانب واحد من دون الحصول على أي دعم جمهوري لجهوده. ومن الواضح أن ساندرز، ومن خلال تبنيه مقترحاً متطرفاً من البداية، مقترحاً ليست لديه أي فرصة للمرور طالما أن الجمهوريين يسيطرون على الكونجرس، إنما يأمل نقل النقاش إلى مستوى يصب أكثر في صالح أنصار التأمين الصحي الشامل. وعليه، فمن واجبنا –نحن المراقبين– التفكير بشأن شكل وملامح المخطط الذي قد يكون محل توافق بين الطرفين. والواقع أنها مهمة صعبة للغاية، لأن الرعاية الصحية موضوع جد معقد ومتعدد الجوانب، لكن إحدى المقاربات الإيجابية قد تكمن في النظر إلى البلدان الأخرى وإيجاد نظام يبدو أنه ناجح ويشتغل بشكل جيد، والتفكير في كيفية نقله واستنساخه. وعليه، ماذا عن اليابان؟ فنظام الرعاية الصحية في هذا البلد يُعد من أرخص الأنظمة الصحية في العالم؛ فكلفته كنسبة مئوية من الاقتصاد أقل مقارنة بنظرائه الأغنياء. وتُحقق اليابان هذا المستوى المنخفض من الإنفاق رغم أن لديها أحد أكثر المجتمعات شيخوخة. إذ رغم اضطرارها للاعتناء بعدد أكثر من الأشخاص كبار السن، وامتلاكها معايير عالية جداً من العلاج الطبي، فإن اليابان تنفق القليل جداً على الرعاية الصحية. على أنه لا أحد تقريباً سينكر تحقيق هذا النظام نتائج جيدة، فالناس في اليابان يعيشون أطول مقارنة بأي بلد آخر. صحيح أن السبب الرئيسي لذلك يعود إلى النظام الغذائي، غير أنه يصعب الحجاج بأن نظام البلاد الصحي غير ناجح. ثم إنه رغم أن من شأن نظام غذائي أفضل أن يقلّص التكاليف الصحية الأميركية شيئاً ما، فإنه لن يخفّض التكاليف إلى مستوى قريب من تلك التي تنفقها اليابان. وعليه، فكيف تفعل اليابان ذلك؟ ما سر نجاحها؟ الواقع أن لدى اليابان نظاماً هجينا، حيث تدفع الحكومةُ 70% من كلفة كل الخدمات الصحية، وتصل النسبة إلى 90% مع المتقدمين في السن وذوي الأمراض المزمنة وأصحاب الدخل المنخفض. أما الـ30% الباقية، فيغطّيها التأمين الصحي الخاص المدفوع من قبل المشغِّل أو الذي يتم شراؤه من الخواص، والذي يتعين على المواطنين شراؤه بمقتضى القانون. وخلافاً للعديد من المخططات الصحية الأميركية، فإن النظام الياباني يشمل صحة الأسنان والصحة العقلية. وعليه، فبدلاً من نظام تموّله الحكومة كلياً، مثلما يقترح ساندرز، يجدر بالولايات المتحدة بحث إمكانية تبني نظام هجين على غرار النموذج الياباني. ومع تولي الحكومة مهمة التفاوض وتوفير شبكة سلامة، وتكفّل القطاع الخاص بالباقي، فلا شك أن الولايات المتحدة ستكون قادرةً على الحفاظ على أفضل عناصر نظامها الحالي مع معالجة العيوب والجوانب التي يفشل فيها ذاك النظام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»