لم أقرأ بعد كتاب هيلاري كلينتون «ماذا حدث؟»، لكن يبدو لي أنه يسرد ما حدث أثناء انتخابات عام 2016. وفي الآوانة الراهنة، تمضي الولايات المتحدة من منطلق التعصب الشديد، لاسيما أنه بات من المؤكد أن 47 أو 48% من الناخبين سيصوتون لأي مرشح «جمهوري» مهما كان مثيراً للمتاعب، وضد أي «ديمقراطي»، بغض النظر عن مدى كفاءته. ويعني ذلك بالمقابل أن أموراً بسيطة قد تقلب الكفة لصالح أسوأ مرشح يمكن تخيله، خصوصاً أن بعض الصحفيين يتصرفون مثل المراهقين في المدرسة الثانوية، فيتجمعون حول المرشحين الذين يفكرون في أمور غير مألوفة، والأحداث التي تكشف فضيحة جديدة، حتى عندما لا يوجد شيء حقيقي. بيد أن الأكثر أهمية أن كثيراً من الناس كانوا يشعرون بالقناعة والرضا، وزعموا أن ترامب لا يمكن أن يصبح رئيساً، ومن ثم شعروا بأن لديهم رفاهية الخوض في مساعٍ هزلية، فأفاقو ليجدوا أن غير المقنع قد حدث. ويبدو أن شيئاً مماثلاً يحدث فيما يتعلق بالرعاية الصحية. فمحاولات «الجمهوريين» الرامية إلى تقويض قانون «أوباماكير» قد فشلت مراراً، ولأسباب منطقية جداً، إذ ارتكزت دائماً هجماتهم ضد قانون الرعاية الصحية المحتملة (أوباماكير)، على أكاذيب، ولم يقدموا بديلاً ملائماً. والحقيقة أن العناصر الرئيسة في قانون «أوباماكير»، والتي تحظر التمييز من قبل شركات التأمين على أساس التاريخ الطبي، وأن يطلب من الناس شراء تأمين حتى إذا كانوا أصحاء في وقتهم؛ وتُوسع نطاق الدعم في أقساط التأمين وبرنامج «ميديكيد» للرعاية الطبية لكبار السنّ؛ والتي تجعل التأمين ممكناً حتى لأصحاب الدخل المحدود.. موجودة لأنها ضرورية. ورغم ذلك، كان من شأن أية خطة طرحها «الجمهوريون» أن تلغي هذه العناصر الرئيسة أو تقوضها، وهو ما يتسبب في خسارة عشرات الملايين من الأميركيين للتأمين الصحي، مع وقوع العبء الأكبر على أكثر الناس ضعفاً. وينبغي أن يكون ذلك قد أصبح واضحاً للجميع الآن، لذا ربما يتصور البعض أنه لن تمر خطة يمكن أن تتجاوز تلك الأسس، ناهيك عن خطة تبدو أسوأ مما قد شاهدنا بالفعل. لكن لأن كثيراً من الناس يفترضون أننا قد تجاوزنا مرحلة الخطر، وحولوا انتباههم إلى مسألة أخرى، فإن الرعاية الصحية أصبحت في خطر مجدداً! ويعمل مشروع رعاة قانون «جراهام كاسيدي» حالياً على تمريره في مجلس الشيوخ، زاعمين أنهم يقدمون مشروعاً معتدلاً يحافظ على الأشياء الجيدة في «أوباماكير». وبعبارة أخرى، هم يحافظون على الموقف الجمهوري بشأن كل من محتوى «أوباماكير» وما يفترض أن يحل محله. ويمكن وصف قانون «جراهام –كاسيدي» بكل ما يناقض كلمة «معتدل»، فهو يتضمن كل العناصر التي اقترحها الجمهوريون سابقاً، وبصيغة مبالغ فيها ومثيرة للسخرية، وبدرجة قاسية ومدمرة. ومن شأنه أن يقوض التفويض الفردي، ويقضي على حماية الناس من أصحاب الظروف الصحية المسبقة، ويقلّص تمويل المساعدات وبرنامج «ميديكيد». وكما حدث في الانتخابات الرئاسية، فإننا نبدأ من منطلق التعصب الشديد، فهناك 48 سيناتوراً جمهورياً مستعدون للتصويت على أي شيء، بغض النظر عن درجة سوئه، طالما أنه يحمل ختم الموافقة من حزبهم. وليتم تحويل المشروع إلى قانون، فليس عليهم سوى كسب صوت أو صوتين إضافيين. والسبب الرئيس الذي حال دون تمكن «الجمهوريين» من فعل ذلك في قوانين الرعاية الصحية التي قدموها مسبقاً كان الغضب الشعبي والنشاط المناهض لتلك القوانين. بول كروجمان كاتب أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»